الفساد المنتشر فى مصر يصل إلى الخبز المدعم

تناولت صحيفة نيويورك تايمز فى تقرير نشر اليوم أزمة الخبز فى مصر ومدى
تأثير الفساد الحكومى فيه. وقال مراسل الصحيفة مايكل سلكمان: إن الانتهاء
من تلبية الاحتياجات فى مصر يبدو أمراً صعبا، حيث يعيش 45% من السكان بدخل
يومى يقدر بدولارين فقط (11 جنيه تقريبا). وقد يكون هذا أحد الأسباب التى
تجعل شراء الخبز المدعم أمراً شاقا، حيث تتطاير القبضات واللكمات، ويتدافع
الرجال والنساء ويتسلل الصغار للوصول إلى الخبز.
وتنقل الصحيفة الأمريكية مشهداً حياً لازدحام المواطنين أمام أحد المخابز
للحصول على الخبز. "صاح إبراهيم على محمد بائع الخبز فى المواطنين الذين
ازدحموا أمامه قائلا: "انتظروا بالخارج ! تراجعوا! لن أبيع لكم". ويقول
إبراهيم إن الضغوط التى يواجهها فى عمله منذ 20 عاما أصابته بمرض السكر،
فهو يقف خلف قضبان تشبه قضبان السجون ويصيح طوال الوقت فى الحشد المتدافع
أمامه.
وينتشر الفساد فى مصر بشكل كبير يبدو وكأنه مؤسسى، وما يفسر أيضا محاولات
الحشود العنيفة الحصول على الخبز المدعم، أن الخبز الحكومى يمكن إعادة بيعه
غالبا بضعف الثمن الأصلى. ويرى بائع الخبز أنه ما لم يتغير فى مصر طوال
خمسين عاما لن يتغير الآن، ولم يوضح إذا كان يعنى الفوضى الموجودة أمامه أو
الخبز الذى يتم إعداده خلفه. ويبدو أن كل الأمور التى تزعج مصر تجتمع فى
قصة الخبز المدعم. فهذه القصة تكشف عن دولة كانت محاصرة فى الماضى بطرق
كثيرة، تكافح لتدفع نفسها إلى المستقبل، غير قادرة أو غير راغبة فى مواجهة
الفساد أو حتى إقناع الشعب بالاهتمام ببعضه.
والتحدى الذى يواجه مصر كله الآن هو كيف يمكن أن تتبنى نظاما يساعد إلى حد
ما فى إطعام 80 مليون شخص وتعمل على إصلاحه دون أن تحدث اضطرابات اجتماعية؟
ويلاحظ سلكمان إلى أن الخبز يسمى باللهجة المصرية "العيش" والتى تعنى
الحياة ، فى حين يستخدم باقى العرب كلمة "خبز". وينقل عن حمدى الجزار مؤلف
رواية "السحر الأسود" الشائعة قوله: إن علاقة مصر بالخبز ليست علاقة حرية
بل هى علاقة حاجة ضرورية.
وعن تاريخ الدعم فى مصر، يقول المراسل: إن الدولة بدأت فى دعم السلع مثل
الخبز والسكر والشاى خلال فترة الحرب العالمية الثانية، وكان أمراً غير
مسبوق. وعندما حاولت الدولة وقف الدعم عن الخبز عام 1977 اندلعت المظاهرات
فى الشوارع. ورغم أن المصريين لا يعرف عنهم بصفة عامة بأنهم شعب يمكن أن
ينفجر غضبا، لكن عليك أن تتوخى الحذر عندما تخبرهم أنه سيتم رفع ثمن الخبز
أو العيش.
ولهذا السبب استمر الدعم مكلفا الدولة 2.74 مليار دولار سنويا، وأنفقت
الدولة المزيد على دعم الطاقة أكثر من إنفاقها على الصحة والتعليم، لكن لم
تكن هذه فقط تكلفة الدعم التى تكبدتها الدولة. بل أدى الدعم إلى نوع من
الفساد المستشرى الذى قوض الثقة بالحكومة وقلل من فرص الاستثمار.
ويقول مفتش حكومى رفض ذكر اسمه خوفا من العقاب: إن أكثر القطاعات فساداً فى
الدولة هو قطاع التموين، وتتحدد وظيفة هذا المفتش فى الذهاب إلى المخابز
للتأكد من أن أصحابها يستخدمون الدقيق الحكومى الرخيص لإعداد الخبز الرخيص
وبيعه بالسعر المحدد.
ويوضح المفتش كيفية انتشار الفساد فى قطاع التموين. فيقول: إن الحكومة تبيع
لأصحاب المخابز جوال دقيق وزنه 25 كيلو بسعر ثمانية جنيهات .. ومن المفترض
أن يبيع أصحاب المخابر الخبر بالسعر المدعم الذى يسمح لهم بالحصول على ربح
10 دولارات على كل جوال. لكن أصحاب المخابز يبيعون جوال الدقيق المدعم فى
السوق السوداء بـ15 دولاراً.
وبشكل عام من الصعب تقدير المستوى الحقيقى للفساد في مصر لأنه لا يتم رصد
ممارسات الفساد بصورة منتظمة، لكن فى إحصاء أجرى عام 2007 عن تصور الفساد
فى 180 دولة، جاءت مصر فى المركز 115 بعد أن كانت فى المركز 70 فى العام
السابق.
وينمو الاقتصاد المصرى بمعدل صحي (7% خلال العام الماضى)، غير أن الأداء
الاقتصادى للحكومة أدى إلى شعور الناس بمزيد من الضيق بدلا من أن ينتهى إلى
مزيد من الاستقرار