قوله: فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180] الدعاء هو السؤال، والدعاء قد يكون بلسان المقال، مثل: اللهم اغفر لي يا غفور وهكذا، أو بلسان الحال وذلك بالتعبد له، ولهذا قال العلماء: إن الدعاء دعاء مسألة ودعاء عبادة، لأن حقيقة الأمر أن المتعبد يرجو بلسان حاله رحمة الله ويخاف عقابه والأمر بدعاء الله بها يتضمن الأمر بمعرفتها، لأن لا يمكن دعاء الله بها إلا بعد معرفتها وهذا خلافاً لما قاله بعض المداهنين في وقتنا الحاضر: إن البحث في الأسماء والصفات لا فائدة فيه ولا حاجة إليه أيريدون أن يعبدوا شيئاً لا أسماء له ولا صفات! أم يريدون أن يداهنوا هؤلاء المحرفين حتى لا يحصل جدل ولا مناظرة معهم، وهذا مبدأ خطير أن يقال للناس لا تبحثوا في الأسماء والصفات، مع أن الله أمرنا بدعائه بها، والأمر للوجوب، ويقتضي وجوب علمنا بأسماء الله، ومعلوم أيضاً أننا لا نعلمها أسماء مجردة عن المعاني، بل لابد أن لها معاني فلا بد أن نبحث فيها، لأن علمها ألفاظاً مجردة لا فائدة فيه، وإن قدر أن فيه فائدة بالتعبد باللفظ، فإنه لا يحصل به كمال الفائدة واعلم أن دعاء الله بأسمائه له معنيان: الأول: دعاء العبادة، وذلك بأن تتعبد لله بما تقتضيه تلك الأسماء، ويطلق على الدعاء عبادة، قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي [ غافر:60]، ولم يقل: عن دعائي، فدل على أن الدعاء عبادة فمثلاً الرحيم يدل على الرحمة، وحينئذ تتطلع إلى أسباب الرحمة وتفعلها والغفور يدل على المغفرة، وحينئذ تتعرض لمغفرة الله عز وجل بكثرة التوبة والاستغفار كذلك وما أشبه ذلك والقريب: يقتضي أن تتعرض إلى القرب منه بالصلاة وغيرها، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد والسميع: يقتضي أن تتعبد لله بمقتضي السمع، بحيث لا تسمع الله قولاً يغضبه ولا يرضاه منك والبصير: يقتضي أن تتعبد لله بمقتضي ذلك البصر بحيث لا يرى منك فعلاً يكرهه منك الثاني: دعاء المسألة، وهو أن تقدمها بين يدي سؤالك متوسلاً بها إلى الله تعالى مثلاً: يا حي، يا قيوم اغفر لي وارحمني، وقال صلى الله عليه وسلم: ((فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)) ، والإنسان إذا دعا وعلل، فقد أثنى على ربه بهذا الاسم طالباً أن يكون سبباً للإجابة، والتوسل بصفة المدعو المحبوبة له سبب للإجابة، فالثناء على الله بأسمائه من أسباب الإجابة