لـم أشق في حياتي، مثلما شقيت تلك الليلة؛ كان شقاء فظيعا؛ جعلني أعـتـقـد أنني لن أعيش حتى الصباح!!
شقاء تـفجر في قلبي الصغير، مثل لـغـم كبير، نصبه إرهابي متعصب، في شارع عمومي، ثم فجره، في لحظة مباغـتة، ذهب ضحيتـه أبرياء مساكين، لم يتوقعوا ذلك أدنى توقع، و لم يحسبوا له أي حساب؛ كي يفـروا، أو يحذروا !!
في تلك الليلة، و في الحـي الجامعي، و خارج المكتبة، انتظرتها، بفارغ الصبر ـ و أنا أنظر إليها خلال الزجاج ـ أن تفرغ من الحفظ و الدرس، مع زميل لها؛ لكي أتحدث معها أحاديثـنا المعتـادة و الممتعة ...
كان الليل ساكنا، و الحـي فارغا، إلا زوايـا منه مظلمة، تبدو خلالها ظلال و أشباح، تـنتـفض مثنى مثنى!!
خرجا معا: كان طويلا عريضا، يمشي بخطى سريعة، و هي خلفه، كأنها شاة وديعة، تـقـتـفي آثـار راعيها ـ بثـقـة و أمان ـ حيثما قادها..( و من الرعاة من يذبح شاته ، أو يبيعها لغيره . ( !!
جاسا ، أول الأمر ، خلال الحـي ، في أماكن مضيئة ، و دارا نصف دورة ، في شبه صمت ، و يمما شطر مكان مظلم و ساكن ، و تحت درج ضخم و فارغ ، اختـفـيا عن الأنظار ، إلا عن ناظري !!
و هناك.. تـفجر اللغم الكبير ، و حول قلبي الصغير شظايا شظايا ، و صيرني حطاما متـنـاثرا !!
ثم .. لاحا، بنفس الخطى، و بعين الصمت، و بابتسامة خبيثة، معلقة على شفتيها المدنستين !!
و افـتـرقـا ...
انضم إلى رفاقه، يتحدث بجدية، كأنه سيد عزيز، قد قضى وطـره من أمـتـه، و عاد ليزاول مهامـه من جديد ...
و التحقت بغرفتها ـ حيث مخدعها ـ مثل جارية محظوظة، أرضت سيدها، و أسعدته ...
و نامت نشوى و سعيدة .
و نام قريرا و مغتبطا .
و سريت مذهولا و شقيـا ...
مزقت أحلامي، و سحقت أوهامي، و أسفت على قلبي الصغير، الذي لم يكبر، و بكيت على نفسي الوفـيـة ...
و سرت وحدي، في الظلام، مظلم الروح و الفؤاد