إن مفهوم التَجارب السَريريَة قديم ومعروف منذ القرون الوسطى. وقد وقع النَظر فيه وتطبيقه من طرف الفيلسوف والطَبيب الفارسي ابن سينا بداية من الرَبع الأوَل من القرن الحادي عشر الميلادي. وقد تعرَض هذا العالم لتفاصيل هذه التَجارب في كتابه الموسوعي القانون في الطب.[1] و يعتبر ابن سينا رائد الطَبَ الحديث وعلم الصَيدلة. وفي كتابه القانون في الطب ضبط القواعد التَجريبيَة في هذا الخصوص وحصر العقاقير الطبيَة والأدوية المستعملة آنذاك في هذه التَجارب. وقد وضع لها دليلا دقيقا للكشف عن مدى نجاعتها في علاج الأمراض المستعصية في عصره.
و يمكن تلخيص بعض هذه القوانين والتَطبيقات في النَقاط التَالية:
يجب أن يكون الدواء مفردا خالصا لا تشوبه شائبة غير مكتسبة.
يجب أن يستعمل هذا الدواء لعلاج مرض مفرد لا لعلاج مرض مركَب.
يجب أن يجرَب الدَواء على علَتين متضادَتين حتَى يتبيَن لنا أنَ الدَواء قد أبرأ العلَة لخصائصه الأصليَة وليس بصفة عرضيَة.
خاصيَات الدَواء وقوَته يجب أن تقابل قوَة العلَة وبرودتها. ذلك أنَ لبعض الأدوية حرارة دون برودة العلل التي تعالجها، فلا تؤثَر فيها البتَة.
يجب أن يراعى لكلَ تجربة وقتها، حتَى لاتتداخل التَأثيرات الأصليَة بالحادثة وتختلط علينا النَتائج.
يجب أن تكون للأدوية والعقاقير المستعملة تأثيرات إيجابيَة دائمة في أغلب الحالات وإلاَ كان البرء بفعل المصادفة لا غير.
أن تقع التجارب على الإنسان لأنَ تجربة دواء أو عقار على حيوان كالأسد والحصان لا تدلَ على أنَ التَأثير سيكون هو نفسه على جسم الإنسان.
و من بين التَجارب السَريريَة المشهورة في هذا الصَدد تجربة (James Lind) جيمس ليند الَذي أقام الدَليل سنة 1747 على أنَ عصير القوارص يشفي من مرض الأسكربوط. فقد جرَب هذا الطَبيب على مجموعات من الملاَحين المصابين بهذا الدَاء عددا من المواد الحامضة انطلاقا من الخلَ حتَى عصير التَفَاح، وقد تبيَن له في النَهاية أنَ المجموعة الَتي تناولت عصيري اللَيمون والبرتقال قد تعافى أفرادها من هذا المرض بعد ستَة أيَام فقط من بداية العلاج.[2]
أمَا فريدريك أكبر محمَد (1849-1884)والَذي كان طبيبا في مستشفى (Guy's Hospital) قاي بلندن فقد نجح بفضل تجاربه السَريريَة من الفصل بين المرضى الَذين يعانون من الأوجاع المزمنة لمرض الكلى مع ارتفاع ضئيل في ضغط الشَرايين وبين المرضى الآخرين الَذين بعانون من ارتفاع حادَ في ضغط الدَم كما نعرفه الآن.[3] كما يعود فضل الرَيادة أيضا لهذا العالم، الذَي استطاع منذ ذلك التَاريخ، أن يضع سجلاَ جماعيَا مشتركا خاصَا بالمعلومات الَتي تهمَ المرضى، والَتي يرسل بها إليه زملاؤه المختصَون، المنتمون للجمعيَة الطَبَيَة البريطانيَة (British Medical Association) والعاملون خارج المستشفيات.