من المنطقى أن تنتقل عدوى الانقسام السياسى الحاصل بين الأغلبية النيابية والمعارضة إلى بقية اللبنانيين. لكن ما ليس منطقيا إصرار البعض على نقل عدوى الانقسام والخلاف إلى الساحة الفنية والثقافية التى نجحت –إلى حد كبير- طوال الأشهر الماضية فى النأى بنفسها عن الغرق فى الأزمة القائمة.
فقد أثارت مشاركة الفنانة اللبنانية فيروز فى إحياء احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية لعام 2008 ـ حيث ستقدم مسرحية "صح النوم" فى دار الأوبراـ مواقف رافضة ومنددة بهذه المشاركة.
وكان الملحق الثقافى لصحيفة النهار قد نشر فى عدده الخاص بعام 2007 مقالاً تحت عنوان "لا تذهبى إلى دمشق يا فيروز"، معتبراً أن مشاركتها فى إحياء فعاليات احتفالية دمشق "تبييض لصورة النظام السورى" الذى رأى أنه "متهم ومدان من أكثرية اللبنانيين، وهو العائق الأساسى أمام بناء الاستقلال الثانى".
ولو اقتصر الانتقاد والجدل على الصحافة ووسائل الإعلام لهان الأمر، لكن مطالبة فيروز بعدم المشاركة فى احتفالية دمشق وصل صداه إلى السياسة، فقد وجه أحد نواب الأكثرية النيابية رسالة إلى الفنانة اللبنانية ناشدها فيها عدم الغناء فى دمشق.
وعلل النائب أكرم شهيب عضو اللقاء الديمقراطى فى رسالته دعوته لفيروز بالقول بإن "من يحب لبنان الوطن لا يغنى أمام سجانيه. من يغنى للحرية، ويغنى للقدس، ويغنى للضمير والكرامة والغضب والوطن، لا يغنى لجلادى الأحرار، وبائعى القدس، وفاقدى الضمير والكرامة ومستبيحى الوطن".
وأضاف شهيب فى رسالته "لا تغنى صح النوم" فى دمشق، فهؤلاء الحكام لم يستيقظوا بعد، لم يستيقظوا من جورهم ومن دم الأحرار فى لبنان الذى فيه يغرقون. يا سفيرتنا إلى النجوم، أنت رسمت لنا الوطن الحلم فلا تبددى أحلامنا فيه كما يبدد طغاة دمشق أحلامنا بالوطن والدولة والديمقراطية والحرية والحياة".
المستشارة الإعلامية لفيروز ضحى شمس رفضت ـ فى اتصال مع الجزيرة نت ـ التعليق على الاتهامات الموجهة للفنانة اللبنانية، فى حين أكد مقربون من فيروز أنها "ذاهبة إلى دمشق لتغنى للناس الأوفياء لها هناك وليس للنظام، وهى لم تغن مرة لنظام أو من هوى سياسى، خاصة أنه مضى أكثر من عشرين عاما على غنائها آخر مرة فى دمشق".
الكاتب والشاعر بيار أبى صعب وصف ـ فى حديث للجزيرة نت ـ المواقف الرافضة لمشاركة فيروز فى احتفالية دمشق بالمواقف الساذجة التى تتضمن افتراء على فيروز أولاً من خلال زجّها فى لعبة ابتزاز هى منها براء، وثانياً ظلم لشعب كامل عبر السعى إلى عزله ومطالبته بدفع ثمن باهظ نيابة عن حكامه.
وتساءل أبو صعب "هل اتخذ دعاة الحرية العربية الموقف النبيل نفسه، حين قدمت فيروز المسرحية فى عمان؟ هل تثور ثائرتهم إذا غنّت فى القاهرة أو تونس أو دبى؟ أم أن ساعة الديمقراطية يجب أن تدق وبسحر ساحر فقط حيث يقرر الكاوبوى الأمريكى، وحين يقرر ذلك؟".
ووصف الدعوة لعدم الغناء فى دمشق "بالموضة المستنسخة" عن حملات المقاطعة الثقافية والأكاديمية لإسرائيل، حينها كنا نطالب المثقفين والفنانين العرب بعدم زيارة كيان عنصرى غاصب، كيان دمر جيشه لبنان وقتل أبناءه، فإسرائيل جزء من صراع تاريخى ضد نظام وكيان سياسى نحاربه، وهذا الأمر لا يمكن نسخه أوتوماتيكيا على أى دولة عربية.
وأعرب أبو صعب عن اعتقاده بأن "النظام الأردنى ليس أكثر ولا أقل ديمقراطية من النظام السورى، وهو كذلك ليس أكثر ولا أقل دموية ولا أكثر ولا أقل قمعية من النظام السورى، لكنها غنت فى عمان ولم يعترض أحد حين ذلك ".