والشهادة بأن محمداً رسول الله تتضمن تصديقه في كل ما أخبر وطاعته في كل ما أمر فما أثبته وجب إثباته وما نفاه وجب نفيه كما يجب على الخلق أن يثبتوا ما أثبته الرسول لربه من الأسماء والصفات وينفوا عنه ما نفاه عنه من مماثلة المخلوقات فيخلصون من التعطيل والتمثيل ويكونون على خير عقيدة في إثبات بلا تشبيه وتنزيه بلا تعطيل وعليهم أن يفعلوا ما أمرهم به وأن ينتهوا عما نهاهم عنه ويحللوا ما أحله ويحرموا ما حرمه فلا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله ولا دين إلا ما شرعه الله ورسوله ولهذا ذم الله المشركين في سورة الأنعام والأعراف وغيرهما لكونهم حرموا ما لم يحرمه الله ولكونهم شرعوا دينا لم يأذن به الله كما في قوله تعالى: وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا [الأنعام: 136] إلى آخر السورة وما ذكر الله في صدر سورة الأعراف وكذلك قوله تعالى:أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ [الشورى: 21] وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا [الأحزاب:45-46] فأخبره أنه أرسله داعيا إليه بإذنه فمن دعا إلى غير الله فقد أشرك ومن دعا إليه بغير إذنه فقد ابتدع والشرك بدعة والمبتدع يؤول إلى الشرك ولم يوجد مبتدع إلا وفيه نوع من الشرك كما قال تعالى: اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة 31] وكان من شركهم أنهم أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم وقد قال تعالى: قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة: 29] فقرن بعدم إيمانهم بالله واليوم الآخر أنهم لا يحرمون ما حرمه الله ورسوله ولا يدينون دين الحق والمؤمنون صدقوا الرسول فيما أخبر به عن الله وعن اليوم الآخر فآمنوا بالله واليوم الآخر وأطاعوه فيما أمر ونهى وحلل وحرم فحرموا ما حرم الله ورسوله ودانوا دين الحق فإن الله بعث الرسول يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث فأمرهم بكل معروف ونهاهم عن كل منكر وأحل لهم كل طيب وحرم عليهم كل خبيث
و(معنى شهادة أن محمداً رسول الله: طاعته فيما أمر, وتصديقه فيما أخبر, واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع) .
وهذه الشهادة هي الشطر الثاني من الركن الأول من أركان الإسلام الخمسة، كما أن الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم داخل في الركن الرابع من أركان الإيمان الستة، ويشهد لذلك حديث جبريل المشهور.
ويلاحظ أننا عرّفنا الشهادة والإيمان به بتعريف واحد، وهذا الأمر يصح في حالة الإفراد. ....أما في حالة الاقتران فالإيمان به يختص بتصديق القلب وإقراره، والشهادة يراد بها نطق اللسان واعترافه، ويجب تحقيق هذه الشهادة معرفة وإقراراً, وانقياداً وطاعة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما الإيمان بالرسول فهو المهم، إذ لا يتم الإيمان بالله بدون الإيمان به، ولا تحصل النجاة والسعادة بدونه، إذ هو الطريق إلى الله سبحانه، ولهذا كان ركنا الإسلام: -أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله-) .