هؤلاء
الذين يمنعون الناس من التساؤل، ظنا منهم بأن الشك يؤدي إلي عدم الأيمان، أشك أنهم
مؤمنون بالأساس ..
إن الله لا يتعامل مع أحد علي أنه مؤمن بالوراثة ... الله إله تجارب ومعايشة يومية
... الله لا يمكن أن تحده في قالب معين أو فكرة معينة أو شكل محدد ... الله يتعامل
بشكل مختلف مع كل شخص.
لا أقصد أنه يتغير ولكن كلما بحثت عن الله ستجده بطريقة جديدة مختلفة، مثل
الزهور بالضبط ... فهي عطور، ولوحات فنية، وعسل، وزينة، و دواء في بعض الأحيان ...
وفى صورة سامة في أحيان أخري ... ولكنها تظل زهوراً في النهاية.
الله غير محدود والثقة والأيمان به لا يتم بالوراثة ... فلا بد من أن تختبره
شخصيا وتتعامل معه بشكل شخصي حتي تدركه وتصدق في وجوده. إن ما يجعل الله بعيدا
وصعبا للفهم والأدراك هو تصور الأنسان عنه ... فنحن نحب الأشياء الملموسة والتي
يمكن إدراكها بالحواس الخمسة، ونميل للإجابات المختصرة ونحب فهم كل الأشياء دفعة
واحدة ..
قليلون منا هم المجدين الذين يسعون بمثابرة وجد نحو المعرفة، أما معظمنا فكسول
ويحب الإجابات الجاهزة، وبالتالى لا نتوقف كثيرا أمام الأسئلة الصعبة وأوكلنا بعض
منا لتلك المهمة، ألا وهي البحث وتقديم الخلاصة التي تعيننا علي الحياة بشكل يومي
ككبسولة أو حبة دواء نتناولها يومياً.
ولكن الأمر مختلف عند الله، فهو ليس مذكرة أو منهج دراسي يتم تلخيصه وتناقله من فرد
لأخر، وهو ليس مجموعة تقاليد وطقوس وصلوات وآيات، وهو ليس بعيدا حتي نقترب منه عن
طريق وسطاء ... لذا فإن إدراك الله مسئولية شخصية علي كل منا، وهي ليست مستعصية
علينا مهما كان مستوانا المادي أو الثقافي أو الأجتماعي ولا حتي عامل العمر يشكل
فارقا.
هناك من أدرك الله في سن متقدم، وهناك إيمان الأطفال ... وكما أن هناك أطباء
ومثقفين أدركوا الله هناك أيضاً الفقراء والمعدمين والجهلاء وغير المتعلمين.
إن إدراك الله لا يحتاج لشئ إلا البحث عنه بجدية، والبحث يبدأ بالشك والتساؤل
... إذا يجب علينا ألا نخشي الشك، فأنت إن إستطعت أن تخفي الشك بداخلك وتخدع الناس
ونفسك فلن تخدع الله ... وهو لن يكافئك ويتغاضي عن عدم إيمانك لأنك بدوت بمظهر
المؤمن بينما قلبك عامر بالشكوك نحوه ..
يجب ألا نخشي الشك، دعك من القادة الدينيين فهم ليسوا مسئولين عن إيمانك، أنت هو
المسئول، هم ليسوا حكاما عليك فالله هو المسئول وهو من سيحاكم ويدين ... ولطالما
أضل القادة الدينيين العالم بدعوي حفظ الأيمان بينما الله برئ منهم. فقد أتهمت
الكنيسة جاليليو بالهرطقة عندما قال أن الأرض تدور حول الشمس، بينما لو راجعوا
الكتاب المقدس لوجدوا أن تلك الحقيقة العلمية مذكورة في سفر أيوب أقدم أسفار الكتاب
المقدس في الأصحاح 38 وعدد 12 "هل في أيامك أمرت الصبح ؟ هل عرفت الفجر موضعه ليمسك
بأكناف الأرض تتحول – أي تدور حول محورها – كطين الخاتم"
ليس لك عذر أن الأخرين يضلوك والقادة الدينيين منافقين ومحتكرين التفسير ...
الله لم يجعل التفسير مقتصرا علي جماعة معينة وكلامه – بالنسبة لي فى الكتاب المقدس
– متاح للكل للبحث والدراسة والفهم، لذا فأنه من واجبك أن تدرس بنفسك وتبحث بنفسك
إذا أردت الوصول إلي الله.
ولا تحاسب الله علي أخطاء القادة الدينيين ومن يبشرون به، ولا تحصره في جماعة
معينة وتقرر ان تقيّمه علي أساس سلوك أفرادها ... الله أعطي الحرية لأتباعه، وطاعته
أمر متروك لهم مع انها واجب إذا كانوا هم حقا يتبعونه. ولكن الله لا يمسك بصواعق كـ
زيوس يلقيها عليهم حال عدم طاعته، وذلك لأن الحرية مبدأ أساسي عند الله وهبه
للأنسان ...
لذا فأنه من الخطأ الحكم علي الله من خلال تصرفات أتباعه، أقول هذا أسفا كل الأسف.
لأن الله أوصانا أن نكون شهودا له ومبشرين به من خلال حياتنا وكلامنا وسلوكنا وليس
كلامنا وشعاراتنا ... ولكننا، ويا للأسف، غير كاملين ويشوب النفاق أفعالنا وأقوالنا
ونترنح كثيرا بين الكذب والصدق، وتطغي علي أفعالنا الأنانية وحب الذات والشر ..
لذا فإن أعداد الملحدين تتزايد يوميا بسبب تعثرهم فيمن يدعون إنتمائهم لله
والكارزين بأسمه ... ولكن كما ذكرت سابقا هذه ليست مسئولية الله.
لا تخش من شكوكك طالما تسعي للفهم ولأدراك الحق، ولأدراك الله إدراكا حقيقيا
وصادقا، لا أعدك بإجابات عن كل أسئلتك بقدر ما أعدك أنك ستدرك الله طالما تبحث عنه
..
هو ليس بظالم حتي يخفي نفسه ثم يحاسبك علي عدم الأيمان به ..
وهو ليس بظالم لأنه لم يوضح كل الأمور بشكل سهل وبسيط وسلس ومجرد ..
لقد عرف الأنسان علم الرياضيات منذ قرون ولكن البحث مازال جاريا فيه حتي الان،
ويكتشف الأنسان أكثر وأكثر بالبحث فيه، فما بالك بخالق كل هذا الكون وكل العلوم
والنظريات ؟ ..
الله أيضا ليس بظالم ولم يتركك للجهل والتخبط ..
وإلا لم وهبك العقل والتفكير والحرية لتفهم وتدرك وتختار عن إقتناع ؟
إن الفهم والأدراك يأتيان بالمجهود والتساؤل، والحرية هي هبة من الله لكي تختار
بعد أن تفهم وتدرك، والحياة هي مرحلة تطبق فيها ما تفهمه، والشجاعة هو أن تواجه
نفسك بجهلك وتسعي للفهم .. وتواجه التغيير الناتج عن فهمك وتتخلي عن معتقدات مريحة
حين تدرك فراغها وعدم جدواها.
والسعادة تأتي عندما تدرك أن هذا الخالق العظيم المهاب يهتم بك .. بشخصك ... ويحبك
ويتحاور معك ويسعده أن يعلمك أشياءاً قد لا تخطر علي بالك.
ويريد أن يكون لك علاقة شخصية خاصة به.