وقد ثبت في الصحيح البخاري :
1/36 , 2/412 , وأحمد :2/373 أن أبا هريرة قال : يارسول الله , أي الناس
أسعد بشفاعتك يوم القيامة ؟ قال : " يا أبا هريرة , لقد ظننت أن لا يسألني
عن هذا الحديث أحد أولي منك , لما رأيت من حرصك علي الحديث , أسعد الناس
بشفاعتي يوم القيامة : من قال : لا إله إلا الله , يبتغي بها وجه الله" .
فكلمــــــا كـان الرجل أتم إخلاصــاً لله كان أحـــق با لــشـــــفا عـــة 0
وأما من علق قلبه بأحد من المخلوقين يرجوه ويخافه : فهذا من أبعد الناس عن الشفاعة 0
( شفاعة الرسول عند الله ليست من جنس شفاعة المخلوق عند المخلوق )
فشفاعة المخلوق عند المخلوق تكون بإعانة الشافع للمشفوع له , بغير إذن
المشفوع عنده بل يشفع إما لحاجة المشفوع عنده إليه , وإما لخوفه منه,
فيحتاج أن يقبل شفاعته عنده , والله تعالي غني عن العالمين , وهو وحده
سبحانه يدبر العالمين كلهم , فما من شفيع إلا من بعد إذنه , فهو الذي يأذن
لشفيع في الشفاعة وهو يقبل شفاعته , كما يلهم الداعي الدعاء , ثم يجيب
دعاءه , فالأمر كله له 0
فإذا كان العبد يرجو
شفيعاً من المخلوقين : فقد لا يختار ذلك الشفيع أن يشفع له , وإن اختار ,
فقد لا يأذن الله له في الشفاعة , ولا يقبل شفاعته 0
( نهي الله أنبياءه والمؤمنين أن يستغفروا للمشركين )
وأفضل الخلق : محمد صلي
الله عليه وسلم , ثم إبراهيم ,وقد امتنع النبي صلي الله عليه وسلم أن
يستغفر لعمه أبي طالب , بعد أن قال : " لأستغفرنَّ لك ما لم أنه عنك "
البخاري : 5/66, ومسلم في : الإيمان , حديث (1) , وأحمد : 5/433 , وقد صلي
علي المنافقين ودعا لهم , فقيل له : { ولا تصل علي أحد منهم مات أبداً ولا
تقم علي قبره } [ التوبة :84] , وقال الله له أولا : { إن تستغفر لهم سبعين
مرة فلن يغفر الله لهم } [التوبة : 10 ] , فقال : " لو أعلم أني لو زدت
علي السبعين يغفر لهم لزدت " , فأنزل الله : { سواء عليهم استغفرت لهم أم
لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم } [ المنافقون : 6 ] 0
وقال الله تعالي : { فلما
ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشري يجادلنا في قوم لوط * إن إبراهيم
لحليم أوَّاه منيب * يا إبراهيم أعرض عن هذا* إنه قد جاء أمر ربك * وإنهم
آتيهم عذاب غير مردود } [ هود : 74-76] 0
ولما استغفر إبراهيم
–عليه السلام – لأبيه بعد وعده بقوله : { ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين
يوم يقوم الحساب } [ إبراهيم : 41] , قال الله تعالي : { قد كانت لكم أسوة
حسنة في إبراهيم والذين معه : إذ قالوا لقومهم : إنا برآء منكم ومما تعبدون
من دون الله * كفرنا بكم * وبدا بيننا وبينكم العدواة والبغضاء أبداً ,
حتي تؤمنوا بالله وحده , إلا قول إبراهيم لأبيه : لأستغفرن لك } [ الممتحنة
:4 ] , وقال الله تعالي {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ,
ولو كانوا أولي قربي من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم * وما كان
استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه * فلما تبين له أنه عدو لله
تبرأ منه } [ التوبة : 113-114] 0
( حق الله وحق عباده من الأنبياء والمؤمنين )
والله سبحانه له حقوق لا يشركه فيها غيره , وللرسل حقوق لا يشركهم فيها غيرهم , وللمؤمنين علي المؤمنين حقوق مشتركة 0
ففي الصحيحين : عن معاذ
بن جبل – رضي الله عنه – قال : " كنت رديف النبي صلي الله عليه وسلم , فقال
لي : يا معاذ ؟ أتدري ما حق الله علي العباد ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ,
قال حقه عليهم : أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً , يا معاذ , أتدري ما حق
العباد علي الله إذا فعلوا ذلك ؟ قلت الله ورسوله أعلم , قال حقهم عليه :
أن لا يعذبهم " 0
فالله تعالي مستحق أن يعبد لا يشرك به شئ , وهذا هو أصل التوحيد الذي بعث الله به الرسل , وأنزلت به الكتب 0
قال الله تعالي : { واسأل
من أرسلنا من قبلك من رسلنا : أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ؟ } [
الزخرف : 45] , وقال الله تعالي : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي
إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } [ الأنبياء: 25] , وقال الله تعالي : {
ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً : أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } [ النحل :
36] 0
ويدخل في ذلك : أن لا
نخاف إلا إياه , ولا نتقي إلا إياه , كما قال الله تعالي { ومن يطع الله
ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون } [ النور : 52] .
فجعل الطاعة لله وللرسول ,
وجعل الخشية والتقوي لله وحده , وكذلك قال الله تعالي : { ولو أنهم رضوا
ما آتاهم الله ورسوله , وقالوا : حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله ,
إنا إلي الله راغبون } [ التوية : 59 ] 0
فجعل الإيتاء لله وللرسول
, كما قال الله تعالي : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا }
[ الحشر : 7 ] , فالحلال ما حلله الرسول , والحرام ماحرمه الرسول , والدين
ما شرعه الرسول 0
وجعل التحسب بالله وحده , فقال تعالي : { وقالوا حسبنا الله } , ولم يقل
ورسوله , كما قال الله تعالي : { الذين قال لهم الناس : إن الناس قد جمعوا
لكم فاخشوهم * فزادهم إيماناً , وقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل } [ آل
عمران :173] , وقال تعالي : { يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من
المؤمنين } [ الأنفال : 64 ] , أي حسبك وحسب من اتبعك الله , فهو وحده
كافيكم , ومن ظنََّّ أن معناها : حسبك الله والمؤمنين , فقد غلط غلطاً
عظيما ً , لوجوه كثيرة مبسوطة في غير هذا الموضع 0
ثم قال : { وقالوا سيؤتينا الله من فضله ورسوله } , فجعل الفضل لله , وذكر
الرسول في الإيتاء , لأنه لا يباح إلا مأباحه الرسول , فليس لأحد أن يأخذ
كل ما تيسر له , إن لم يكن مباحاً في الشريعة 0