{ وَهُوَشَدِيدُالْمِحَالِ}
المقدمة.
الوصية بالتقوى.
أما بعد:
معشر المؤمنين:
كلنا سمع أو رأى ما حصل ليلة السبت الماضي من صواعق ورعود هزت المكلا،
وارعبت الناس، وبلغت قلوب البعض الحناجر، وهي جزء من عظمة الله وقدرته
وجبروته وقهره، وقد قال الله تعالى في سورة الرعد: (هُوَ الَّذِي
يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ
(12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ
وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ
فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13) ).
فقوله جل ذكره: {هُوَالَّذِي
يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} أي الله جل جلاله وتعالت عظمته
وتقدست أسماؤه وصفاته، يسخر البرق - وهو النور الساطع واللمعان الحاصل بين
السحب –يسخره ويريكم إياه، لماذا؟ أهكذا عبثاً؟!! تعالى الله وتعالت حكمته
أن يكون في شيء من أفعاله أو أقواله وقدره عبث، بل لحكمة بينها في الآية
فقال: {خَوْفًاوَطَمَعًا } أي خوفاً من صواعق البرق وخاصة المسافر، وطمعاً
في المطر الذي يكون معه، فالله عز وجل يخوِّف عباده لعلهم يرجعون، لعلهم
يتوبون ويتركون الذنوب والمعاصي من كفر ومنكرات وكل ما يسخطه سبحانه، وحتى
لا يصيبكم اليأس من فضله، ولا القنوط من رحمته قال: {خَوْفًاوَطَمَعًا } أي
طمعاً في رحمة الله عز وجل.
ثم قال تعالى: {وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ}
فالله تبارك وتعالى هو الذي ينشيء، والإنشاء هو تكوين الشيء مرتباً حالاً
بعد حال، فهو يخلق السحاب شيئاً فشيئاً كما قال جل في علاه : {أَلَمْ
تَرَأَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ
يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَىالْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ
مِنَ السَّمَاءِمِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ
يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْمَنْ يَشَاءُ يَكَادُسَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ
بِالْأَبْصَارِ} ويزجي بمعني يسوق، فهو سبحانه ينشيء السحاب ويسوقها
بالرياح، والسحاب الثقال أي الثقيلة لكثرة مائها فهي تحمل الماء الثقيل
قريبة من الأرض.
ثم قال تعالى:{وَيُسَبِّحُ
الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} وتسبيح الرعد هو
تعظيم الخالق، وفي ذلك تنزيه له حيث أُفرد بطاعته وخُص بتنفيذ أمره،
والرعدُ يسبِّح كما تسبح الملائكة وكل المخلوقات، قال تعالى: {وَإِنْمِ
نْشَيْءٍ إِلَّايُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَاتَفْقَهُونَ
تَسْبِيحَهُمْ} وكما قال أيضاً: {أَلَمْ تَرَأَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ
مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُصَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْعَلِمَ
صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَايَفْعَلُونَ} ، ولا يلزم
من التسبيح أن نسمعه بآذاننا، ولا يلزم من التسبيح وجود اللسان والشفتين
والمجاري الهوائية، فهناك تسبيح بالحال وتسبيح بالمقال، وكل شيء يسبح
تسبيحاً يليق به ولكننا لا نفقه تسبيحهم.
{وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} فالملائكة
خائفة وجلة تسبح الله تعالى، فأنت يا ابنَ آدم أفلا تسبح ربك؟ أفلا تخاف
ذنبك، وترجع إلى مولاك وخالقك؟، بلى، فقد جاء في الأثر أنه:إذا سمع الرعد
والصواعق قال: اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل
ذلك،وكان عبدالله بن الزبير رضي الله عنه إذا سمع الرعد قال: ( سبحان الذي
يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته )ويقول إن هذا لوعيد شديد لأهل
الأرض،وقال الأوزاعي: كان ابن أبي زكريا يقول: من قال حين يسمع الرعد:
سبحان الله وبحمده لم تصبه صاعقة.
عباد الله:
ثم قال تعالى: { وَيُرْسِلُ
الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ} أي:يرسلها نقمة ينتقم بها ممن
يشاء؛ والصواعق جمع صاعقة، وهو الصوت الشديد من السماء، وقد أهلك الله
قوماً بالصاعقة قال تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ
فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ
الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} وهي تكثر في آخر الزمان،
فقد روى الإمام أحمد بإسناد حسن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي
قال: ( تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة حتى يأتي الرجل القوم فيقول: من
صَعقَ تلكم الغداة؟ فيقولون: صعق فلان وفلان وفلان ) أعاذني الله وإياكم من
عقابه وسخطه.
إن ما يحصل من فساد من بعض الناس، ويفعلون من منكرات هو سبب من أسباب عقوبة
الله للأمة كلها إذا سكتت عن المنكر ولم تغيره، أصبحنا نسمع عن البعض لا
يكتفي أن يقيم علاقات مع بعض الفتيات، بل يتبجح بأنه يصاحب فلانة ويقيم
علاقة مع أخرى، وهوى البعض إلى أن يقيم علاقة مع الأولاد فيصاحب ولداً
أمرداً ويتنقل معه بالدراجة النارية أو السيارة أو غير ذلك ويلبي له
طلباته، سمعت بذلك وأخبرني بعض الشباب، ورأيت بعض آثار ذلك عياذاً بالله،
وإذا سئل قال: أحبه ولا أفكر في الفاحشة ، وكذب ..كذب، لو أنه كان صادقاً
لما تعلق بولد وذكر وتعلق باللواط،وتعلمون كيف أن الله عز وجل كيف عاقب قوم
لوط وقال عنهم: (وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى)
وقال:
{فَجَعَلْنَاعَالِيَهَاسَافِلَهَاوَأَمْطَرْنَاعَلَيْهِمْحِجَارَةًمِنْسِجِّيلٍ}
هذه أفعال تحصل من بعض الناس وكان ينبغي عليهم اتخاذ الطريق الحلال
بالزواج، وتحصين فرجه وغض طرفه، أو بالصوم والتعلق بالله الذي من تعلق به
كفاهذي الجلال والكمال والجمال.
ثم قال تعالى: {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَشَدِيدُالْمِحَالِ}
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله -: أي يشكون في عظمته وأنه لا إله إلا
هو، وقال ابن جرير – رحمه الله - : وهؤلاء الذين أصابهم الله بالصواعق
أصابهم في حال خصومتهم في الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم، وقوله:
{وَهُوَشَدِيدُالْمِحَالِ} شديدة مما حلته في عقوبة من طغى عليه وعتى
وتمادى في كفره وهذه الآية شبيهة بقوله: (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا
مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51)).فهو شديد
القوة والعقوبة والهلاك، سريع الأخذ قوي الكيد والمكر؛ ولهذا قيل: شديد
المكر والمحال، والمماحلة المماكرة والمغالبة، قال ابن الأعرابي: المحال
المكر والمكر من الله التدبير بالحق، وقال النحاس: المكر من الله إيصال
المكروه إلى من يستحقه من حيث لا يشعر، وقال العلامة السعدي – رحمه الله -:
أي شديد الحول والقوة فلا يريد شيئاً إلا فعله ولا يتعاصى عليه شيء ولا
يفوته هارب.
فيامن يتآمر على اليمن وأهلها أياً كان، اعلم: إن الله شديد المحال، وإن
الله بالمرصاد، وإن أخذه أليم شديد، يامن يظن أن أمريكا أو جنوده أو
زبانيته وأتباعه سينصرونه، اعلم:إن الله لا يعجزه شيء، ولن يفوته أحد: {
أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ
الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} فلن تدمر إلا نفسك،
ولن ينفعك مكرك، فسارع إلى التوبة، وبادر إلى رشدك، وإلا فإن الله لكل مجرم
بالمرصاد، أعاذني الله وإياكم من سخطه وعقابه، واستعملنا في طاعته، وثبتنا
على دينه،والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
وسلم.