هامتدخل الاقارب في الحياة الاسري

الأسرة هي النواة الأولى للمجتمع، وتبدأ بعد الزواج عندما تنتقل الفتاة
إلى بيت زوجها، ويستقل الفتى عن أبويه مكونا ً أسرة جديدة تتكون من الزوج
والزوجة، وما يرزقهما الله- إن شاء- من ذرية مستقبلا ً.
ويطلق علماء الاجتماع على هذه الأسرة الصغيرة، اسم الأسرة النووية، التي تكون نواة لأسرة كبيرة في البناء المجتمعي العام.
وقد أرشدنا الإسلام منذ البداية إلى الأسس التي تقوم عليها الحياة الزوجية السعيدة بقوله تعالي:
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ
مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ
مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).وهذه الآية تتضمن أسس الحياة الزوجية الوليدة وعوامل نجاحها واستقرارها، ويفسر سيد قطب رحمه الله هذه الآية بقوله:
"فيدركون حكمة الخالق في خلق كل من الجنسين على نحو يجعله موافقاً للآخر،
ملبياً لحاجته الفطرية، نفسية وعقلية وجسدية، بحيث يجد عنده الراحة
والطمأنينة والاستقرار؛ ويجدان في اجتماعهما السكن والاكتفاء، والمودة
والرحمة، لأن تركيبهما النفسي والعصبي والعضوي ملحوظ فيه تلبية رغائب كل
منهما في الآخر، وائتلافهما وامتزاجهما في النهاية لإنشاء حياة جديدة تتمثل
في جيل جديد. .."
إذن فكلا الزوجين في حاجة إلى إشباع حاجاته النفسية والعقلية والجسدية،
وهذا لن يتحقق إلا في ظل سكن الزوجين كلاهما للآخر ونشوء المودة والرحمة
بينهما.
ورغم أن هذه المقومات كلها مقومات ربانية وفق منهج الله وسنته في خلق
البشر، إلا أن هذا المنهج يتم مخالفته واختراقه، أو تبديله في أحيان كثيرة،
مما يؤدي إلى حدوث مشاكل بين الزوجين تنتفي معها حياة السكينة وتتحول
المودة والرحمة، إلى بغض وشقاء، وقد تفضي هذه الحالة في نهاية الأمر إلى
هدم الحياة الزوجية والطلاق.
والحقيقة أن هناك أسباب عدة قد تؤدي إلى المآلات السابقة، تختلف فيما بينها بين القوة والضعف والقرب والبعد، ومن هذه الأسباب:
تدخل الأهل في الحياة الأسرية للأبناء والبنات ولا سيما حديثي الزواج منهم، وهذا السبب يعد من أقوى الأسباب.
ويتمثل أهل الزوجين في كل من الأب والأم والأخوة والأخوات وهم من نعينهم هنا في هذه السطور.
صراع الأقارب
مع بداية الحياة الزوجية تحدث تغيرات في علاقات كلا من أقارب الزوجين مع الزوج والزوجة.
فأهل الزوج يرون أن الزوجة، أخذت ابنهم وعزلته عنهم فيكونوا في حالة
استنفار لإعادة ابنهم إليهم، ويتحججون في ذلك بحجج يزينها لهم شياطين
الإنس، منها علي سبيل المثال:
*ضعف خبرة الابن، أو طيبته الزائدة عن الحد.
*أن الابن قد يكون صاحب مركز، أو مال ويعتقد أهله أن زوجته ستمنعه عنهم وستسخر كل ذلك لخدمة أهلها.
*الغيرة وخاصة من جانب الأخوات البنات للزوج وأحيانا من جانب الأم.
وبالنسبة لأهل الزوجة: قد يتدخلون في حياة ابنتهم بعدة حجج منها:
*ضعف خبرة ابنتهم وعدم قدرتها على إدارة شؤون البيت.
*صراعهم مع أقارب الزوج، وخوفهم على ابنتهم أن تكون ضحية هذا الصراع.
*عدم اقتناعهم بشخصية الزوج، ونظرتهم إليه نظرة استعلاء.
وتعد هذه الأسباب الأقوى من بين مجموعة الأسباب التي قد تؤدي إلى فساد العلاقة بين الزوجين.
ويُعد تدخل الأهل والأقارب في حياة الزوجين من الظواهر المنتشرة في عالمنا
العربي، مما جعلها تأتي في مقدمة الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق ونهاية
الحياة الأسرية.
فوفقاً لإحدى الدراسات التي أُجريت عن ظاهرة الطلاق في المجتمع السعودي،
قامت بها وزارة الشؤون الاجتماعية السعودية تحت عنوان "الطلاق في المجتمع
السعودي" وطبقت هذه الدراسة على عينة بحثية كبيرة من الأزواج، والزوجات.
وتشير نسب الدراسة إلى خطورة هذا السلوك الذي يبديه الآباء تجاه أبناءهم
وبناتهم، كما فرقت الدراسة بين المشاكل الناجمة عن تدخل كلا من أهل الزوجين
كل علي حده فبينت أن نسبة (68,6%) من الشريحة التي استهدفتها الدراسة
أوضحت أن: السبب الرئيسي للطلاق هو تدخل أهل الزوجة، فيما يرى (71,3%) أن
تدخل أهل الزوج يأتي في المرتبة الثانية من جهة أسباب الطلاق.
أي أن (70% ) من أسباب الطلاق تحدث بسبب تدخل الأهل (أهل الزوج، أو أهل الزوجة).
وهذه النسب تدق ناقوس الخطر، ليكف الأهل عن التدخل في حياة الأبناء والبنات، لينعموا بحياة مستقرة هادئة، قوامها المودة والرحمة.
طرق حل مشكلة تدخل الأهل في حياة الأبناء والبنات
لقد عنيت الشريعة الإسلامية بالحياة الأسرية أيما عناية، لتحافظ عليها من
تقلبات الحياة، ووضعت الحلول الربانية لما قد يعتريها من مشكلات وعقبات.
وبالنسبة للمشكلة التي نحن بصددها، وهي مشكلة تدخل الأهل في بيوت الأبناء
والبنات فقد أرشدنا القرآن الكريم، إلى كيفية التدخل ومتى يكون، ووفق
الضوابط الشرعية قال تعالى:
(وَاللَّاتِي تَخَافُونَ
نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ
وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) (النساء:من الآية 34) وهذه
الآية تبين لنا الطرق الوقائية التي يجب على الزوج أن يسلكها حتى لا تتفاقم
المشكلة، وتبدأ بالوعظ والتهذيب، فإن لم يجدي، يلجأ الزوج إلى الهجر في
الفراش، ثم في مرحلة لاحقة الضرب غير المبرح.
ونلحظ من هذه الإجراءات أنه تتم كلها بين الزوجين حتى دون أن يشعر الأطفال
بما بين الأبوين من خلاف وخصام، وأنه لا مجال لتدخل الأهل فيما بين
الزوجين، ولو كان مفيداً وفاعلاً في هذه المرحلة، لأرشدنا ربنا تبارك
وتعالى إليه.
ولكن كل هذه الوسائل إن لم تجدي ولم تحقق المرجو منها، هنا لابد من تدخل
كلا من أهل الزوجين لرأب الصدع، والحفاظ علي الحياة الزوجية، وهذا يتم وفق
ضوابط شرعية بينتها الآية الكريمة:
(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ
بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا
إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ
كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) (النساء:35) وهاتان الآيتان، تبينان مدى
حرص الإسلام على الحياة الأسرية وتذليل ما قد يواجهها من صعاب لتخرج لنا
أبناء وبنات صالحين يساعدوا في نهضة الأمة ورقيها وتقدمها.
وعلى الآباء أن يعوا خطورة تدخلهم في حياة الأبناء والبنات ومسؤوليتهم عن
ذلك أمام الله في الآخرة، وفي الدنيا أمام المجتمع كما يجب علي الدعاة،
والمهتمين بالإرشاد الأسري توضيح مثل هذه الأمور وموقف الشرع منها.
وتدعيم الدراسات البحثية التي تتناول هذه الظاهرة، ونشر نتائجها ليستفيد منها المهتمون بالشأن الأسري.

» حق الحياة هي العبارة التي تعبر عن أنه لدى الإنسان حق أساسي في الحياة
» فرصة عظيمة للود الاسري لاستغلالها في شهر رمضان
» رمضان فرصة لعودة الود الاسري كلام من الخبيرة الانسانية شيماء فؤاد
» الحياة مش لعب
» ما اقسى الحياة