أجمع علماء الطب النفسي على أن صعوبة الاكتئاب عند الرجال ترجع إلى أن معظمهم يشعرون بالذنب وبالخجل من الاعتراف بمرضهم، وأنهم أقل طلباً للمساعدة من النساء؛ إذ يعتبرون الإفصاح عن مشاكلهم أو مرضهم علامة ضعف! ويخافون تخلي زوجاتهم عنهم، إضافة إلى أن شكواهم تنصب على آلامهم الجسدية المبهمة دون الكلام عن آلامهم النفسية، ولكل هذا يؤكد الأطباء أن الرجل الزوج لا يستطيع، وحده، إخراج نفسه من حالة الاكتئاب، وهنا يظهر دور الزوجة.
يفقد خمس وزنه!
مظاهر وعلامات الاكتئاب تسردها لنا الدكتورة سوسن السيد قائلة: يفقد الرغبة والاهتمام بأي شيء، يفقد القدرة على التذوق، لا يشتهي شيئاً حتى ينسى الإحساس بالجوع والأكل ذاته، ويصل الأمر إلى فقدانه خُمس وزنه في شهور معدودة، كما يفقد المكتئب القدرة على الشم، ولا تطرب آذانه للكلمة الطيبة والموسيقى التي كان يحبها ويعشقها، إضافة إلى قلة كلامه ونظرته السوداوية، ولا يميز بين الأحداث، ولا يتأثر بما تنقله له زوجته والناس، فينسحب اللون الرمادي على كل ما يراه، ويصبح أشبه بإنسان زاهد يفقد الاهتمام بذاته وعمله وأقرب الناس إليه، لا يعنيه مظهره ولا مصالحه الشخصية، يستوي المكسب والخسارة لديه، لدرجة تمني التخلص من حياته.
توابع الاكتئاب
أن يبدأ الإحساس بالتثاقل يزحف على جسده، فيصبح بطيء الحركة والكلام والتفكير، يزعجه نور الصباح، ويريحه نفسياً قدوم الليل، الكل ينام ليلاً إلا هو. تتعلق عيناه بسقف الحجرة، عبثاً يحاول النوم فلا يستطيع!
ويبدأ توالد الأفكار السوداء يزداد عليه، ويتردد السؤال عن أهمية وجوده، ومعنى حياته، ليتساءل هل وجودي عبء على أسرتي؟ ويختمها: «ليت الموت يريحني».
اكتئاب المرأة غير المتعارف عليه طبياً أن النساء يصبن بالاكتئاب عند انقطاع علاقاتهن الحميمة، عكس الرجال؛ فكآبتهم غالباً تنبع من عملهم وما يواجهونه من مشاكل ومفاجآت، فالرجل بطبعه مبرمج على إعطاء قراراته وحوافزه العلمية أهمية كبرى، إضافة إلى مسؤولية توفير سبل الحياة لأسرته، ولهذا يكون فقدان العمل أو عدم حصوله على ترقية كارثة عظمى وضغطاً نفسياً شديداً! وفي مقابل هذا نجد معظم الرجال يفضلون الاحتفاظ بصورتهم كأشخاص أقوياء قادرين، فينكرون كآبتهم؛ لأنها في نظرهم ضعف لا يليق، ولهذا تلازمهم الكآبة فترة أطول، ما يربك الزوجة فيما يجب وما لا يجب فعله معه، ومن هنا يأتي دور الزوجة المثقفة الواعية التي تملك خلفية علمية عن مرض زوجها، فتجيد التعامل معه بشكل يعيد التوازن والبهجة لحياتهما معاً.
معلومات عليك معرفتها و10 توصيات للتطبيق؛
تنصحك بها الدكتورة سوسن السيد، استشارية علم النفس الاجتماعي:
1 الاكتئاب في سن صغيرة يعني أن هناك بؤرة في الدماغ تحتاج إلى علاج كيميائي، والاكتئاب في سن كبيرة نتيجة الشيخوخة يرتبط بالهرمون الذي يؤثر على الحالة النفسية، وفي الحالتين لابد من أخذه لزيارة الطبيب.
2 اعرفي أن الشكوى الدائمة من الصداع، ألم في الصدر أو في الظهر، مشاكل في التركيز، اضطرابات في النوم، وانخفاض الشهية، وفقدان التفكير في العلاقة الحميمة بك إن استمرت أكثر من أسبوعين فهذا يعني خللاً بيولوجياً واختلالاً في كيمياء الدماغ، والأمر يتطلب علاجاً.
3 بالحب والتعامل مع مفاتيح شخصية زوجك واستنارتك يتحسن مزاجه، ترتفع معنوياته، فاعرفي أن الكآبة غير المعالجة تستمر مدة تتراوح بين 8 إلى 12 شهراً، وقد تبقى مدة أطول، وتندرج تحت سمات الشخصية إذا لم تعالج.
4 احذري محاولة رفع معنويات زوجك المكتئب بالإشارة لأي من مشاكل الآخرين أو لفت نظره إلى جمال ما حوله كأسلوب معالجة؛ فأنت تزيدين حالته سوءاً. فالمكتئب لا يملك إلا الإدراك الحسي، وبكلامك وإصرارك على تحويل نظره إلى جانب آخر كأنك تكذبين عليه وتنفصلين عنه.
5 أنت تمثلين الجزء الأكبر في علاجه وتخطيه لمحنته، فاتركيه يعبر عن استيائه وشعوره بالملل والإحباط، ووضحي له الأشياء الإيجابية في حياته، خذيه في نزهات متكررة، واجعليه يختار المكان والصحبة التي يريدها.
6 حاولي تفهم مشكلة اكتئابه، وأبقيه منهمكاً مشغولاً في عمل لا ينتهي، واحذري تنفيذ ما كان يقوم به من أعمال لمساعدته، فهذا خطأ كبير؛ لأنه يزيد من شعوره بالعجز، وعدم القدرة على فعل شيء.
7 نعم! هناك فرق بين زوجك، الذي كان، وملامحه الحالية؛ فقد يصدر عنه كلام جارح، يرفض علاقتكما الحميمة، يعيش بالبيت منطوياً على نفسه، ولا ننصحك أيضاً بمداراة شعورك السلبي تجاهه، انقلي له ما تحسينه بحب وصدق ومهارة؛ فالمكتئب حساس للانتقاد.
8 لا تفقدي الأمل في شفائه؛ حتى لا تصيبك عدوى الاكتئاب، فضفضي مع صديقه، قومي بزيارة لبيت أسرتك، شاهدي فيلماً سينمائياً ضاحكاً، ساعدي زوجك. لكن لا تنغمسي معه.
9 ابعدي أولادكما عن كل ما يحدث، وبثي الطمأنينة في قلوبهم؛ حتى لا يشعروا باللوم ومسؤولية ما يحدث لوالدهم، أشركيهم في تتبع وتطور الحالة، وماذا قال الطبيب دون التقليل من قيمة وهيبة زوجك.
10 تحسسي ما ينطق به زوجك وما يقدم على فعله؛ خوفاً من محاولته الانتحار، وتأكدي أن الشفاء يأتي بصورة تدريجية، تبادلي معه الذكريات، احشري كلمات الغزل الطيبة في حديثك، ولا تتطرقي في حديثك إلى موضوعات قلقة... شائكة.
ضوء أخضر
المكتئب يتصرف دون إرادته، يعاني مرضاً لا يستطيع التغلب عليه وحده.
أقنعيه بممارسة رياضة المشي؛ لتحسين نومه والحفاظ على لياقته البدنية.
أظهري اهتمامك به ولا تفقدي شعورك أمامه؛ استمعي له، افتحي حوارات معه، ساعديه ليضع لنفسه أهدافاً أكثر واقعية؛ ليقلل من العبء على نفسه.
ابحثي عن كتاب يتناول مرض الاكتئاب يساعدكما معاً، وعلى أهل البيت الاتفاق على أسلوب تعامل واحد؛ حتى لا يفسره الأب المكتئب بشكل سلبي.