المدن السورية، تلك المدن العامرة منذ فجر التاريخ، والجدران الناطقة بتاريخ حضارة مزدهرة أصبحت اليوم 'ملطخة' بدماء أبناء الوطن، سواء المحسوبين على قوات الجيش النظامي أو الجيش الحر أو حتى المواطنين العزل، وصار إراقة الدم البشري بديلا عن 'دم الأضحية'، واستخدم 'أهل الشام' عبارة 'أزمة وتنتهي' بديلا عن 'كل عام وأنت بخير'، وإن نطقوا الأخيرة فهي تخرج بحرقة وألم على ما صارت إليه بلادهم.
آلاف الأسر المهجرة، ومئات الشهداء والضحايا وقفوا أمام الشعب السوري وفرحته بعيد الأضحى، ويبدوا أن قرار الهدنة فقط 'لتجميع الأشلاء' والبقية الباقية من حطام مقتنيات المنازل والفرار بها نحو المجهول، وقرروا في أنفسهم أن الاحتفال 'عار' حتى يؤخذ بـ'ثأر' الشهداء.
أطفال سوريا لم يعرفوا 'موضة' هذا العام في الملابس أو الألعاب الترفيهية مثل بقية أطفال العالم مع دخول العيد، فهو العيد الرابع على التوالي بالنسبة لهم دون أن يذوقوا طعما للهدوء أو يتوقف نحيبهم على فقدان ذويهم أو الرعب والصراخ من دوي المدافع ودخان احتراق البنايات، وأصبحت تجارة 'الأكفان' هي الاكثر رواجا تحسبا 'للاستشهاد' في أي وقت.
العيد في سوريا أصبح 'مثل أي يوم عادي'، يميزه فقط 'صلاة السبع تكبيرات والخطبة'، ومنذ عامين، لم ير أحدا 'أرجوحة' منصوبة للأطفال، أو 'ساحات اللعب' بالدراجات وكرة القدم، وسرقت بسمة الصغير قبل الكبير في 'ثورة' هي الأطول زمنا أمام نظام يأبى الرحيل أو الهوادة مع شعبه، ولا يجيد سوى لغة 'البارود والنار'.
بينما في قصر الرئاسة، لم تصل برقيات التهنئة بالعيد من قادة وزعماء الدول 'ملوك وأمراء ورؤساء' الدول العربية والإسلامية للتهنئة بالعيد، واكتفى ديوان القصر الرئاسي ببرقيات الكوادر الحكومية 'الروتينية' فقط.
صلاة العيد 'في العراء' سنة مؤكدة يتبعها المسلمون بفرح عن الاقتداء برسولهم، بينما 'العراء' أصبح 'الفرض الأساسي' ولا بديل عنه لمواطني المدن السورية بعد هدم منازلهم والالتفات لتهديم المساجد؛ بل وحتى المستشفيات والمخابئ الواقية من القصف المدفعي المستمر، ويبدوا أنهم سيكررون الصلاة في الطرقات والشوارع كما فعلوها في 'عيد الفطر' السابق.
'البمب والصواريخ' سمة مميزة للاحتفالات خصوصا عند الصبية في أغلب الدول العربية، إلا أن أنوف الصبية السوريين تعبت من 'بارود المدافع'، إلى جانب قرار 'البلدية' بمنع استخدام ألعاب الصواريخ والأعيرة النارية بين الشباب أيا كانت الأسباب 'حرصا على أمن المواطنين'.