التحرش' خلال السنوات الأخيرة كان ولازال مشكلة أخذ يتطور شكلها، وبطبيعة الحال تطور رد الفعل تجاها؛ 'فالمعاكسة' هي الكلمة المعروفة وربما المفضلة لدى الغالبية لتخفيف حدة وقع كلمة 'تحرش' التي طالما كانت لدى البعض تعني ما هو أبعد من كلمات تقال للفتاة أثناء سيرها في مكان عام أو حتى عبر الهاتف، وليست بالضرورة أن تكون بذيئة.
ولم يكن رد الفعل سوى سير الفتاة مسرعةً عن مكان تواجدها أو الرد بانفعال لإنهاء الموقف، وربما التفات البعض لما يقوم به الشاب المعترض لطريق الفتاة فتُنهى كلمات ' عيب يا أخي اعتبرها زي أختك' هذا المشهد.
لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فأصبح 'للتحرش' ما يمكن تسميته 'موسم' يزيد فيه بل ويتطور شكله للأسوأ، فقد ارتبطت فترة العيد في السنوات الأخيرة 'بالتحرش' خاصة بعد الإعلان عن وقائع 'تحرش جماعي' بوسط البلد.
وقبل كل ذلك لم يكن يعرف الكثير عن المشكلة من أصحابها، ولماذا يحدث ذلك في الأساس، فكان الاستماع لواقع التحرش على لسان محللين أو شاهدين لتظهر في المقابل كلمات كان الغالب عليها انتقاد للفتاة ذاتها 'هى السبب أكيد لبسها مكنش كويس'، وعلى الجانب الآخر كانت كلمات أسباب قيام الشباب بذلك تتنوع ما بين 'عشان البطالة' و' الشباب هيعمل إيه' أو 'دي قلة تربية'.
مبادرات و' محضر' و' ضحية'
'لست السبب .. ليس هناك ما أخجل منه بل أنا الضحية وليس الجاني'.. مثل تلك الكلمات كانت لسان حال الكتابات التي قامت بها بعض الفتيات ممن تعرضن للتحرش، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، واصفين الوقائع وشعورهن وقت حدوث ذلك؛ فكانت كلماتهن بمثابة 'صوت عالي' في أذن من لا يعرف، وبداية للتحرك نحو إيجاد حل غير 'الخطوط الساخنة'.
'خريطة التحرش الجنسي.. قطع إيدك.. بنات مصر خط أحمر.. امسك متحرش .. هنصور دي الصورة طلعت وحشة.. شفت متحرش.. ولاد البلد.. كما تدين تدان'.. بعض المبادرات التي ظهرت كنوع من هذا التحرك للتصدي 'للتحرش'، وهى مجموعات شبابية منظمة البعض اعتمد على التوعية، والآخر خاصة من حرص على الظهور في العيد جاء اعتماده على التعامل مع 'المتحرش' ومساندة الفتاة إلى جانب تلك التوعية، ففي العيد كان لأغلبهم ما يشبه 'غرف العمليات' لرصد الحالات.
'دينا عماد' الفتاة العشرينة التي أصرت أن تتعامل مع 'المتحرش' بنفسها ودون انتظار مساعدة أحد من القائلين ' سرق منك إيه ده يا بنتي ' فلا يضيف لكلماته بعد المعرفة إلا ' طب الحمد لله جت سليمة' .
وإن كان شهر يونيو هو شهر إعلان ردود الأفعال، فشهر سبتمبر يمكن اعتباره' القشة التي قصمت ظهر البعير' فلم يعد هناك مجال بعد للصمت، حيث كانت' إيمان' الفتاة ابنة السادسة عشر عاماً على موعد يوم 10 سبتمبر بقرية 'عرب الكلابات' في أسيوط مع اسم 'ضحية التحرش' بعد أن لقت مصرعها على يد ' متحرش' .
المتحرش.. بين 'السلمية' و'الدوكو' و'علقة سُخنة'
ولم تتوقف الدعوات والأفكار حتى مجيء العيد التي منها ما أعلن تمسكه بـ'الطرق السلمية'، وإن غلب على بعضها فكرة التعامل بالمثل مع 'المتحرش' من خلال الضرب وتلقينه 'علقة سُخنة ' قد يتبعها 'زفة' من قبل الأطفال الموجودين بالمكان أو'رشة بالدوكو' وكتابة 'أنا متحرش' على ملابسه وغيرها من الأفعال ليصبح معروفاً للجميع أنه متحرش.
تلك الأفعال التي لم تخل من الدعوة مرة أخرى إلى 'حلق' شعر المتحرش 'زيرو' كما كان يفعل بعض ضباط الآداب في فترة الخمسينيات والستينيات، لكن ' أحمد وجيه' صاحب فكرة ' الإسبراي الدوكو'، يرفض استخدامه لضرب المتحرش لأن فكرته لم تكن إلا من أجل استخدام البنات له إذا تعرضت للتحرش.
و'أحمد ' الذي سبق أن اقترح تخصيص سيارة للسيدات في قطارات مصر، كما شارك في العديد من المبادرات والوقفات الرافضة للتحرش، يؤكد أن فكرة 'الإسبراي' لا تعنى بالضرورة اللجوء للعنف ضد المتحرش، لأن ذلك دور الشرطة فى القبض على المتحرشين، لكنها كانت من أجل 'حماية البنت' في عدم تواجد الأمن فى الشارع، وذلك لآن الحملات الخاصة بالتحرش لن تتمكن من تغطيه كافة الميادين والشوارع .
وعلى الرغم الخطوط ' الساخنة' التي وفرها المجلس القومي للمرأة لتلقي وقائع التحرش، وكذلك تصريح رئيس الوزراء في 21 أكتوبر الماضي بسعي الحكومة للعمل على مشروع قانون لتغليظ عقوبة التحرش في إطار حزمة من الإجراءات الرادعة لمكافحة هذه الظاهرة، وبيان وزارة الداخلية برصدها لما يقرب من 704 ' معاكسة' و 23 تحرش جنسي في مختلف أنحاء مصر.
وإلى جانب ما ينص عليه قانون العقوبات رقم 93 لسنة 1995 في المادة 306، الحبس لمدة لا تجاوز سنة وبغرامه لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على ألف جنية أو بإحدى هاتين العقوبتين لكل من تعرض لأنثى على وجه يخدش حياءها بالقول أو بالفعل فى طريق عام أو مكان مطروق، وغيرها من المواد القانونية.