يترجلون أرض مترو الأنفاق يومياً، يملؤون عرباتها بأدواتهم ونداءاتهم، حتى وصل بك الحال إن وطأت قدمك أي محطة ولم تقابل أحداً منهم، ستشك فى الأمر، وتلتفت يميناً أو يساراً بحثاً عنهم، البعض يصفهم بـ' المزعجون' أو 'أرزقية بياكلوا عيش'، أو 'عصابة تنهش فى جيب المواطن' بإغراء يستهوى قلبه.. إنهم 'الباعة الجائلون' .
'حد عايز شربات فيليه.. قلم كحل.. دبابيس.. توك شعر.. قلم روج؟ '.. تردد امرأة 'منقبة' هذا الهتاف بلا توقف فى 'عربة السيدات'، لتجتذب به المراهقات الباحثات عن وجه لامع، النقاب لهن ليس تديناً لكنه حماية، أو ربما أحد يعرفها ، فتكون الطامة الكبرى، تحمل فى يديها حقائب ضخمة تصعد بها إلى العربة ولا تنزل طوال الخط حتى آخر سيدة .
يتوقف قلبها عن دقات كل محطة خوفاً من رجال الأمن، لتهدأ قليلاً عند فتح الأبواب فى لحظات أشبه بكتم الأنفاس، حتى لا يقعون فى أيدى النيابة التى تصادر بضائعهم، وتكبلهم بالغرامات المالية التي لا يتحملونها، ليتحرك المترو للمحطة القادمة، لتنشط الفتاة 'المنقبة' من جديد، هذا كان حال واحدة من الباعة، يتكرر غالباً مع معظمهم.
'فرش البوتاجازات' و'فرش الثلاجات' و'المناديل' و'الريموت' و'الدباسة الصغيرة' و'كتب التلوين' و'العطور'، وغيرها من البضائع التى تراها فى عربات المترو، ليتحول مترو الانفاق من إلى مترو الاختناق أحيانا خاصةَ فى وجود الباعة وسط الزحام، فإن كنت جالساً فيجب أن تُعاقب بأن يُلقى عليك كل أنواع البضائع المختلفة السالفة الذكر، وإن كنت واقفاً فلن نحرمك من شئ استمتع بصخبهم وندائهم على طول العربة، فأنت تمقتهم أحياناً خاصة بعد يوم عمل شاق لما يسببونه من إزعاج، وأحياناً أخرى تتعاطف معهم ، فهذا 'أكل عيشهم' ليس لديهم غيره، خاصةَ أن الزبون فى المترو 'لقطة' لآنه مكان تجمع وتذكير للزبون بما نساه أو يحتاجه.
لم تتوقف حركة الباعة الجائلين فى مترو الأنفاق على العربات فقط، وإنما افترشت الطرق المؤدية إليه، ففى الطريق إلى أى محطة مترو فى الممرات أو على السلالم ترى 'استيكرات سبونش بوب'و'بائعى الجزم' و'الشنط' و'الطرح البناتى' و'نظارات الشمس التقليد' وغيرها، ليكون بذلك ممر المترو مجتمع للبضائع التى يصعب أن تتنقل فى عرباته، هذا بالإضافة إلى الشحاذين الذين يستعطفوا قلبك بكل ما يملكوا لرعاية اليتامى والمرضى، للحد الذى وصل فيه أن تتشبث بالمترو الأطفال المرضى حاملى أكياس الدم و'الأبر' بعربات المترو بملابسهم الرثة، ليبحثوا عن بضعاً من جنيهات يسقطها رحيمى القلوب.
مشكلة الباعة الجائلين متشعبة المسئولية بين جهاز إدارة مترو الأنفاق، وبين وزارة الداخلية تحتاج إلى حل منهم سريعاً، لكنها ليست المشكلة الوحيدة التى تعيق الركاب عن استقلال مترو الأنفاق؛ فالمترو يحتاج إلى حل مشكلات مثل الإشغالات الملاقاة بين أروقته، وأكوام القمامة الملقاة بين عرباته، وتوقف التكيفات عن العمل، والتى تدفع الركاب للتكالب على ماكينتين أو ثلاثة للخروج من المترو، بالإضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي عن العربات، مما يسبب فى أزمات حقيقة للركاب