'سخر من الحدود والجغرافيا الوهمية، لم يتبع إلا قلبه المضيء بالإيمان، لم يكتب كلمة من هناك يعكر بها صفو إخلاصه وخلاصه، احتضن رصاصة ذاهلة في رأسه العالي.. ونام الان في الجنة بين عيني ندى الجميلة'.. بهذه الكلمات رثاه أحد أصدقائه بعد سويعات قليلة من سماعهم نبأ استشهاده بالأراضي السورية بمعركة 'المعامل' بحلب.
'محمد محرز' شاب في أواخر العشرينات من العمر، لم ينقصه شيء في الحياة سوى أن يتوجها بالشهادة؛ فهو يعمل محاميا بأحد المكاتب، ترك زوجة لم يتخطى عمرها 24 عاماً، وطفلة صغيرة عمرها عام ونصف، وأصدقاء كانت الدموع والغبطة حالهم عند سماع نبأ الاستشهاد كما كان يتمنى.
رغم استقرار حياته إلا أنه قرر الذهاب للأراضي السورية والانضمام للجيش الحر هناك، لم يعرف عنه يوماً التشدد الديني؛ فأصدقائه دائما ما يصفوه بأنه 'موكب من الضحك أينما ذهب وحل'، وكان مؤمناً برسالة التعليم والتنوير، لذا شارك في عدد من الدورات المعرفية لتدريس التاريخ وغيره من العلوم و المعارف.
بصبر وثبات، كتبت الطبيبة 'شيماء علي' زوجة الشهيد 'محرز' على صفحتها على موقع 'فيس بوك': 'وكأنني كنتُ أعلم أنها آخر ليلة لي معه.. بكينا فيها كثيرا كأول ليلة، وأضمه ويزيد بكائي وأسأله: ما يبكيك حبيبي؟ قال لي: أخشى ألا يتقبلني الله!، وقال لي: لا تخشي شيئا سأعود إليك.. أو لن تربي معي ابنتنا؟ ليتني أنجبت منك عشرا.. إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم لك الحمد.. اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها'.
اللقطة الأخيرة للشهيد 'محمد محرز' في المطار مع ابنته 'ندى' قبل سفره إلى سوريا كما نشرها أصدقاؤه على فيس بوك، ظهر يحتضن فيها صغيرته وهو يقبلها، وفي صورة أخرى وهو يقبل يد والدته، وخلف الصورة زوجة كانت عونا وسندا.
صديق آخر نشر صورة لمحادثة بينه وبين 'محرز' قبيل سفره، قال له فيها مازحاً: 'احنا هنروح نجيب بشار في شوال ونيجي'، وقبل سفره أغلق حسابه على فيس بوك؛ فهو لم يكن ذاهبا لينشر يومياته، بل قرر التفرغ التام لهدفه ورحلته للدفاع عن المستضعفين هناك.
أحد أصدقائه نشر تدوينة لـ'محرز' كان كتبها في وقت سابق على 'فيس بوك'، قال فيها: 'لقد افتتح الوحي بلفظ 'اقرأ باسم ربك' وليس بلفظ 'اقرأ'، والمعنى يختلف تماما بين الاثنتين؛ اقرأ باسم ربك هو منهج للقراء والنظر والتفكر في الكون، أن تقرا باسم ربك أي أن تقرأ وفقا للوحي وتقرأ وأنت موقن أن المركز الذي ترد له قل ما تقرأه وتحاكمه إليه هو الوحي، وبالتالي تصبح قراءتك مشدودة إلى مركز يقيني، أما القراءة في المطلق فهي غاية منفصلة عن القيمة بلا أي ضابط أو معايير وبالتالي تقع في النسبية المطلقة التي تجعل كل الآراء صواب وكل النظريات صحيحة!'.