الإجهاض أو إسقاط الحوامل في القانون المصري يعد من جرائم الاعتداء على الحق في
الحياة؛[1][2][3] إذ غالبًا ما يكون المقصود به إنهاء حق الجنين في الحياة المستقبلية. وقد خصص له المشرع المصري بابًا مستقلاً في قانون العقوبات هو الباب الثالث، وعنوانه:
«إسقاط الحوامل وصنع وبيع الأشربة والجواهر المغشوشة المضرة بالصحة».[4] لم يضع القانون المصري تعريفًا محددًا لإسقاط الحوامل (الإجهاض)؛[1][2][3] وإنما اكتفى بتحديد
صوره، والعقوبات المقررة لكل صورة منه. بينما عرّفته محكمة النقض المصرية بأنه "تعمد إنهاء حالة الحمل قبل الأوان".[5]
تعتبر جريمة الإجهاض من الجرائم كثيرة الحدوث في الحياة العملية، ومع ذلك فإنه قليلاً ما تصدر في مواجهتها أحكام بالإدانة في مصر؛[1][2] وذلك لاعتماد الجريمة في وقوعها على عنصر الخفاء فلا يبلّغ عنها، وإنما تكتشف بمحض الصدفة، خصوصًا إذا ما أدى الإجهاض إلى
وفاة الحامل. وحتى إذا اكتشفت فإنه من الصعب إثباتها. كما أن قلة أحكام الإدانة قد يكون سببها تفهّم القاضي للظروف الاجتماعية أو الاقتصادية التي قد تدعو بعض الأمهات إلى اللجوء للإجهاض. الأمر الذي يدفع القاضي إلى محاولة تلمّس أسباب البراءة أو حتى امتناع المسؤولية.[1][2]
تعتبر الجريمة من الجرائم المادية لا الشكلية بالنسبة للقانون المصري؛[1] لأن الضرر الناتج عنها يصيب كائنًا حيًا، حتى وإن كان جنينًا لم يخرج بعد إلى نور الحياة. ولكن إذا تم قتل جنين كان قد انفصل عن الرحم وأخذ طريقه في الخروج، اعتبرت الواقعة جريمة قتل لا جريمة
إجهاض.[6] فالحدث المجرّد الذي تتكون به الجريمة هو القضاء على جنين داخل الرحم، أو القضاء عليه بفصله من الرحم قبل الأوان الطبيعي للولادة. ولا يعاقب القانون المصري على
الشروع في الإجهاض بالرغم من أنه متصور الحدوث، كما أن الاشتراك في الإجهاض ممكن كذلك بأساليب الاتفاق أو التحريض أو المساعدة التي لا تنصبّ على جسد الحامل، وإلا أعتبر الجاني فاعلاً أصيلاً لا مجرد شريك
أركانه
حتى يمكن القول بوقوع الإجهاض، فإنه لا بد من وجود جنين يقع اعتداء على حقه في الحياة المستقبلية؛[8][9] وذلك لوجود حق للجنين في النمو الطبيعي داخل الرحم حتى الموعد الطبيعي لولادته. بالإضافة إلى شرط وجود الحمل، فإنه يشترط توافر ركن مادي وركن معنوي لوقوع جريمة الإجهاض.[8][9]
الركن المفترض: وجود الحمل
الركن المفترض في النشاط الإجرامي هنا هو امرأة، وأن تكون هذه المرأة حاملاً؛[7] وذلك لأن محل الاعتداء في جريمة الإجهاض هو أصلاً حق الجنين في أن يحيا حياته المستقبلية. لذلك يفترض وجود جنين في رحم المرأة يقع عليه فعل الإجهاض،[8][9] سواء بإخراجه حيًا قبل موعد ولادته، وهو ما يفضي في الغالب إلى وفاته، أو بقتله في الرحم، وهو ما يقتضي إخراجه منه حفاظًا على حياة الحامل. على أنه ليس المجني عليه في الجريمة هو المرأة، وإنما هو الحمل الكائن فيها؛[7] لذلك ألحقت هذه الجريمة بجرائم الاعتداء على الحق في الحياة.[10] ولا يعد هذا الحمل إنسانًا؛ لأنه لم يرى نور الحياة بعد، ولكنه ليس - في الوقت ذاته - مجرّد شطر من بطن المرأة أو مجرّد مقدمة لحياة، وإنما هو بمثابة شخص، بدليل نموه الخاص به، وبدليل أن له حركة ونبضًا يظهران ولو بعد نشأته بعض الوقت.[7]
ويبدأ الحمل قانونًا بتلقيح الحيوان المنوي للرجل لبويضة المرأة.[8][9] وتكون هي بداية حياة الجنين التي تنتهي ببداية عملية الولادة. لذلك يتحدد مجال جريمة الإجهاض بالفترة بين الإخصاب وبداية عملية الولادة.[8][9] فلا إجهاض قبل بدء عملية الإخصاب،[ملحوظة 1] ولا إجهاض بعد بداية عملية الولادة، وإنما يبدأ مجال الاعتداء على حياة الإنسان أو سلامة جسمه منذ بداية عملية الولادة. وتبدأ حماية حق الجنين في الحياة بدايةً من لحظة الإخصاب وحتى لحظة بداية الولادة دون اشتراط مرور فترة زمنية محددة على الإخصاب.[8][9] لذلك اعتبر القانون المصري أن إخراج الجنين من الرحم بوسيلة صناعية قبل الموعد الطبيعي للولادة، حتى ولو كان الحمل في ساعاته الأولى، يعد إجهاضًا للجنين.[8][11] وتطبيقًا لذلك، قضت محكمة النقض المصرية برفض إباحة إجهاض الجنين الذي لم يتجاوز عمره أربعة أشهر رغم أن الشريعة الإسلامية تبيح ذلك، وأن المادة 60 من قانون العقوبات المصري تبيح ما تبيحه الشريعة، مقررة أن ما ورد عن الشريعة في هذا الخصوص ليس أصلاً ثابتًا في أدلتها المتفق عليها، وإنما هو اجتهاد للفقهاء انقسم حوله الرأي فيما بينهم.[12]
وإذا كانت الجريمة تقوم على افتراض وجود الحمل عند ارتكاب فعل الإجهاض، فهذا يعني أنه إذا لم تكن المرأة حاملاً، فلا تقع الجريمة ولو كان الفاعل يعتقد أنه يباشر نشاطه على امرأة حامل وكان قصده من الفعل إسقاط حملها.[10][13] ذلك أن المادة 264 من قانون العقوبات تنص صراحةً على أنه لا عقاب على الشروع في الإجهاض، كما أن عدم وجود الحمل يعد من قبيل الاستحالة المطلقة أو القانونية التي تمنع من تحقق الشروع في الجريمة
الركن المادي
عناصر الركن المادي للإجهاض ثلاثة هي: فعل الإجهاض، ونتيجته (خروج الجنين من الرحم)، وعلاقة السببية التي تربط بين فعل الإجهاض ونتيجته
فعل الإجهاض
هو كل فعل يكون من شأنه إخراج الجنين من الرحم قبل الموعد الطبيعي لولادته.[9][14] وقد أشار القانون إلى بعض وسائل الإجهاض على سبيل المثال لا الحصر؛ فذكر الضرب أو نحوه من أنواع الإيذاء، والأدوية أو الوسائل المؤدية إلى الإجهاض. ويعد استعمال وسيلة لإخراج الجنين قبل الأوان معيارًا قانونيًا للتمييز بين الإجهاض المعاقب عليه قانونًا، وبين الإجهاض الطبيعي الناتج مرض معيّن أو ضعف بدني أو مجهود زائد، وبين الولادة المبتسرة التي تؤدي إلى خروج الجنين قبل موعده الطبيعي بشكل تلقائي دون استعمال أي وسائل خارجية