يخلط
الكثير بين التربية والعنف فيعتقد أنها في الصرامة، و الشدة، والغلظة وعلى
الطفل أن يخاف منه لكي يحترمه، وتصبح له هيبة، وهذا لاشك مفهوم خاطئ يؤدي
إلى كسر شخصية الطفل فإما أن تقهر شخصية الطفل ويصبح ضعيفاً غير واثق من
نفسه ، أو يصبح طفلاً عنيفاً مؤذياً
وتقول الدكتورة نور السعد الأستاذ المشارك في علم الاجتماع في جامعة الملك
عبد العزيز : "العنف ضد الأطفال لم يعد ظاهرة خاصة بمجتمع ما؛ بل أصبح
قاسما مشتركا في معظم دول العالم ولكن تختلف حدته وأنواعه من مجتمع لآخر.وهذه مأساة حقيقية لأنه يرتكب يوميا في مختلف بقاع العالم رغم جميع محاولات الوقاية والعلاج. مجتمعنا
لم يخل منها أيضا وليست ظاهرة حديثة، إذ إنها كانت ولا تزال موجودة
يعانيها هؤلاء الضحايا الذي ألقينا الضوء أخيرا على أصوات أنينهم وآثار
التعذيب على أجسادهم الرقيقة، هذا إذا لم تصل بهم عمليات العنف إلى الموت
نتيجة متوقعة لعمليات التعذيب المروع الذي قد لا يصدقه القارئ عند قراءته
الوسائل التي يتفنن الأب أو زوجة الأب في ممارسته ضد أطفال لا يملكون قوة
جسدية تمكنهم من الدفاع عن أنفسهم، خصوصا أن مَن يعذبهم هو الأب أي الإنسان
الذي يفترض أن يكون هو الصدر الحنون إذا ما قست أصابع زوجة الأب التي تحمل
أدوات التعذيب بل الموت".
وقد انتشرت قصة الطفل أحمد والذي تعرض لتعذيب زوجة أبيه بسبب انفصال
والديه ، والعجيب أن زوجة أبيه عندما اعترفت انهارت بالبكاء، مما يدل على
أنها كانت خارج وعيها وسيطرتها، وهذا الذي نحتاج إليه ،ضبط النفس وكظم
الغيظ، لاسيما مع الصغار،وفي صحيح مسلم يقول أبو مسعود البدري رضي الله عنه: كنت أضرب غلاما لي بالسوط فسمعت صوتا من خلفي: اعلم أبا مسعود، فلم أفهم الصوت من الغضب، فلما دنا مني إذا هو رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فإذا هو يقول: اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام، فسقط السوط من يدي من هيبته وقلت: هو حر لوجه الله، فقال أما أنك لو لم تقلها للفحتك النار.
ويقول الدكتور ميسرة طاهر- أستاذ الصحة النفسية في جامعة الملك عبد العزيز- عن لجوء بعض الآباء إلى العنف بدل الإقناع : "إن
العنف يبقى التعبير الصادق عن عجز العقول عن إقناع الآخرين، ويبدو أن
استخدام العنف مع النساء والأطفال بناء على ما تقدم يمثل مؤشرا خطيرا على
عجز من يمارسونه عن إيجاد الحجج والمنطق السليم لإقناع الآخرين، إضافة إلى
شيوع نمط التربية بالتملك التي تريد أن تجعل من أبنائنا وزوجاتنا ملكا لنا،
والأمر نفسه ينطبق حين تمارس الزوجة أو الأم هذا المسلك مع أبنائها وخدمها
وسائقها، فكل من يعجز عقله عن إقناع الآخر هو شخص فقد الحجة والمنطق التي
يقنع بها الآخرين، وبالتالي فإن الجهد ينبغي أن يتوجه ليس فقط نحو محاربة
هذا العنف، بل أيضا نحو زيادة الوعي والفهم في طرق الإقناع والصبر على
النفس وعلى الآخرين، ويتطلب الأمر أن نتذكر أن الله نهى عن استخدام العنف
والإكراه نحو الآخرين في إقناعهم بالدين وهو أسمى ما في الوجود) لا إكراه في الدِّينِ قد تبين الرشد من الغي(؛ لأن سعادة الفرد في الدنيا والآخرة متوقفة عليه"
ولقد أوضح المشرف العام على فرع الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في منطقة
مكة المكرمة، الدكتور حسين الشريف: "أن جمعية حقوق الإنسان أولت بالغ
الاهتمام بقضية العنف ضد الأطفال، باعتبار الطفل هو الحلقة الأضعف في
الأسرة، كونه لا يملك عادة وسائل التعبير التي توصل معاناته مما يمارس ضده
من عنف،وذلك لإلقاء الضوء على العنف الموجه ضد فئة الأطفال، باعتبارها قضية
شائكة تمس أكثر حلقات المجتمع ضعفا، وتستوجب اهتماما وتركيزا خاصا، حيث تم
فصلها عن قضايا العنف الأسري، وقد بلغ مجموع قضايا العنف ضد الطفل لجمعية
الفروع 72 قضية"
البعض ينسى أن الله سيحاسبه في هذا الطفل الصغير، ويعتقد أنه مادام تحت
يده فهو حر به يعمل به كيف شاء بل هي أمانة يُسأل عنه يوم القيامة، فإذا
كانت المرأة دخلت النار في هرة حبستها لاهي أطعمتها ولا سقتها ولا تركتها
تأكل من خشاش الأرض ، فكيف مع الطفل الصغير الذي يحمل روحاً وبراءة
وإنسانية.
وفي دراسة أعدتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة – اليونيسف – التي تعمل من
أجل حقوق الأطفال في جميع أنحاء العالم، حيث أعدت بياناً حول حماية الطفل
من العنف والاستغلال والإيذاء ، ففي العنف ضد الأطفال أوضحت ما يلي:
· من المستحيل قياس الحجم الفعلي للعنف المرتكب ضد الأطفال في أنحاء العالم. وهناك افتقار إلى البيانات عن العدد الدقيق للضحايا الأطفال لكثرة ما يحدث سراً ولا يتم الإبلاغ عنه. غير أن التقديرات تشير إلى تعرض ما بين 500 مليون و1.5 بليون طفل للعنف سنوياً. ويقدر عدد الأطفال الذين يشهدون العنف المنزلي في كل عام بما يصل إلى 275 مليون طفل على نطاق العالم.
· في الدراسة الاستقصائية العالمية لصحة الطلاب في المدارس، أفاد ما بين 20 في المائة و65 في المائة من الأطفال الذين في سن المدرسة بتعرضهم للتحرش اللفظي أو البدني في المدرسة في الـ 30 يوماً السابقة.
· بالرغم
من أن بعض العنف غير متوقع ومنعزل، فإن معظم العنف ضد الأطفال يرتكبه
أشخاص يعرفهم الطفل وينبغي أن تكون له القدرة على الوثوق بهم والتطلع إليهم
لحمايته ودعمه، كالوالدين، وزوج الأم أو زوجة الأب أو شركاء حياتهما،
وأفراد الأسرة الممتدة، ومقدمي الرعاية، والأصدقاء الذكور والإناث،
والزملاء في المدرسة، والمدرسين، والقادة الدينيين، وأرباب العمل.
· ومع
أن الأسرة ينبغي أن تمثل البيئة الطبيعية لحماية الأطفال، يمكن أن يكون
المنزل أيضاً مكاناً يعاني فيه الأطفال من العنف في شكل التأديب. وتدل البيانات المستمدة من 37 بلداً على أن 86 في المائة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 14 – 2 عاماً يتعرضون للعقاب البدني أو العدوان النفسي. ويتعرض طفلان من بين كل ثلاثة أطفال للعقوبة البدنية.
وفي
الختام فإن تعزيز نفسية الطفل ورفع ثقته بنفسه هي الهدف الأسمى في التربية
وهي خير من العنف الذي يولد الكراهية والحقد، فعن عبد الله بن عمر أنَّ
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَهِيَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ". فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي أنها النخلة. قال عبد الله: فاستحييت. فقالوا: يا رسول الله، أخبرنا بها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هِيَ النَّخْلَةُ". قال عبد الله: فحدَّثت أبي بما وقع في نفسي، فقال: لأن تكون قُلْتَهَا أحبُّ إليَّ من أن يكون لي كذا وكذا.
وكان
عبد الله بن عمر غلاماً صغيراً ، فانظر إلى حسن معاملة عمر رضي الله عنه
مع ابنه وبث الثقة في نفسه ، و صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.