الدكتور احمد Admin
عدد المساهمات : 8263 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 01/06/2012 العمر : 31 الموقع : منتدي خلاصة تجاربي
| موضوع: التنشئة الإسلامية ودورها في مواجهة الانحراف الإثنين سبتمبر 17, 2012 9:02 pm | |
| لم يكن اهتمام الإسلام منصبًّا على حشو الأدمغة بالمعلومات والمعارف الإنسانية أو الدينية بقدر ما كان يهتم بتأديب المتلقي وتربيته على المبادئ التي تحملها تلك المعلومات؛ بل والتماهي والتمازج بين المبادئ العقلية والشخصية الإنسانية
لم يكن اهتمام الإسلام منصبًّا على حشو الأدمغة بالمعلومات والمعارف الإنسانية أو الدينية بقدر ما كان يهتم بتأديب المتلقي وتربيته على المبادئ التي تحملها تلك المعلومات؛ بل والتماهي والتمازج بين المبادئ العقلية والشخصية الإنسانية حتى تصيرا شيئًا واحدًا؛ لذلك كان أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلم- لا يتجاوزون حفظ عشر آيات حتى يتعلموا ما فيهن من العلم ويعملوا بما فيها، فيتعلمون القرآن والتقوى معًا، وتزداد قلوبهم إيمانًا مع إيمانهم، وتتعمق في نفوسهم المعاني التربوية العظيمة التي قد لا يحويها كتاب ولكن يحويها قلب امرئ مسلم. ولئن أمكننا بكل يسر وسهولة أن نلاحظ تلك الملامح الإسلامية والتربوية العميقة في قلوب الجيل الأول من المسلمين ومَنْ قَرُبَ منهم زمانًا ومكانًا، ومَنْ كان على شاكلتهم فيما بعد ذلك من القرون، فإننا على الضد من ذلك نستطيع تلمس حالة من البعد القلبي والجسدي عن تلك المعاني، بل واستهجانها من قبل البعض الذين لم يتربوا عليها منذ نشأتهم، والذين فاتهم قطار التأدب بأدب الإسلام الذي ينبغي امتطاؤه من محطته الأولى حتى الوصول إلى آخر الخط التربوي الذي ينتهي بانتهاء حياة الإنسان نفسها. ولعلنا نلمس تلك الحالة في بعض من ينتسبون إلى الدين والصحوة والمجموعات العاملة للإسلام، على الرغم من أنه من المفترض أن يكونوا هم المصدر الأساس لهذه المعاني التي تضرب بجذورها في عمق الفهم الطبيعي للإسلام شريعةً ومنهاجًا، إلا أن طغيان بعض المعاني المظهرية على الجماعة المسلمة على حساب الشعور العام بجوهر الدين ومقاصده الأساسية والتربوية الأصيلة، بل وعلى حساب تربية الأبوين اللذيْن –منذ البداية- غابت عنهما معاني التقوى والتدين الصحيح، فراحا يهتمان بغرس مفاهيم خاطئة في نفوس الأبناء عن الإسلام والالتزام به دون الرجوع إلى المؤلفات المتخصصة في هذا المجال، والتي قد تغني قراءتها وتعلم ما فيها عن مواجهة كثير من المشكلات التي تطرأ مستقبلاً على الطفل المتربي، فضلاً عن الإعراض عن أصحاب الخبرة في مجال التربية، وهو ما أنشأ فجوة عميقة بين الأبناء وبين ما ينبغي أن يكونوا عليه من التربية الإسلامية الصحيحة. لقد أُنيطت مسؤولية تربية الأبناء وتنشئتهم بكاهل الآباء والأمهات بشكل أساسي –لاسيما في مراحلهم السنية الأولى-؛ حيث لا مصدر لاستقاء هذه المعاني وغرسها في قلوب وعقول الناشئة إلا الأبوان، فالطفل يظل مدة طويلة في كنف الأب والأم قبل أن يخرج للعالم الخارجي ليكون مؤثرًا بدوره في تشكيل حياة الأبناء بمؤسساته المتعددة التي منها المدرسة وجماعة الرفاق والأصدقاء والمعلمون وغيرهم، وفي خلال هذه الفترة المتقدمة تتشكل نفسية الطفل وتتكون شخصيته بما يقود دفة حياته القادمة كلها، ففترة التلقي الأولى هي أهم فترات التربية للولد، حيث لا يزال صفحة بيضاء نقية تتمتع بفطرة وقابلية للتوجيه إلى الخير، فهي لم تتلوث بعد بمؤثرات الحياة ونفاقها وبغضها وكراهيتها وأخلاقها السيئة، بل لديها استعداد فطري للاستقامة والسير على صراط الذين أنعم الله عليهم غير مغضوب عليهم ولا ضالين. وكما كلف الله -عز وجل- الأبناء بضرورة بر الآباء وإعانتهم على ظروف الحياة المتقلبة لاسيما في الكبر، فإنه كذلك وضع مسؤولية التربية وإخراج جيل يتحرك بالإسلام قلبًا وقالبًا على الآباء ومن قام مقامهم لاسيما في الصغر، وأي إهمال أو تفريط يقع من الآباء في هذا الشأن فهو جريمة يرتكبها الأب أو الأم في حق ولده، بل وفي حق المجتمع كله، ذلك المجتمع الذي انتدبنا الله -عز وجل- لإعماره وإصلاحه بما يتسق مع القوانين الربانية الإلهية، وأي خلل -ولو بسيطًا- من شأنه أن يعطل مسيرة الإعمار والإصلاح في الأرض؛ لذلك كانت مهمة التربية -فضلاً عن كونها مهمة فردية- فهي مهمة مجتمعية من الطراز الأول، حيث فساد المجتمع مرتبط بشكل أساسي بفساد أفراده: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41]، وصلاحه كذلك مرتبط بصلاحهم وتقواهم.
وعلى النقيض فإن مجتمعات إسلامية ليست قليلة فرَّط أفرادها في أداء هذا الواجب والقيام بهذه المهمة على وجهها، فكانت النتيجة شرًّا ووبالاً على المجتمع بجميع أفراده وهيئاته ومؤسساته، ففضلاً عن تفشي الأخلاق السيئة بين الشباب والأطفال وحتى الكبار، فإن أمراضًا مجتمعية خطيرة باتت تنهش في جسد الأمة الكليل، تقوض أركانه، وتزعزع مبادئه، وتهدم بناءه، وما انتشار الظلم بين أبناء الملة الواحدة والوطن الواحد رجالاً ونساءً إلا فصل من فصول هذه المأساة؛ وذلك لضعف التربية وإهمال الآباء لزرع القيم والمبادئ لدى النشء، وليس مجرد زرعها وإثبات الإعجاب بما فيها فقط، وإنما التحرك بها، واعتبارها الوقود الذي يدفع عجلة الحياة إلى الأمام، وهذا يحتاج من الآباء إلى جهد مضاعف؛ فلا يهتم الوالد بجمع الأموال اللازمة لتعليم الفتى أو الفتاة وكسوتهما وإطعامهما فحسب، بل يعلم نفسه ويثقفها أولاً ليكون جديرًا بأداء المهمة التربوية، ثم يشرع في إصلاح نفسه ليكون القدوة التي يضعها الأبناء دومًا تحت مجهر النقد والتقليد، وبدون ذلك فإنه لن يتمكن من إخراج منتج تربوي جيد يفخر به ويدفع معه عجلة الإصلاح والنهضة. وبإمكان الباحث التربوي أو الاجتماعي أن يحمِّل سوء تربية النشء وإهمال إيجاد القدوات مسؤولية التقهقر والفساد الذي نما وتغوَّل؛ بل إننا لا نكون مخطئين إذا أشرنا بأصابع الاتهام العشرة في أية جريمة أخلاقية أو سياسية أو اجتماعية أو من أي نوع إلى الخلل التربوي والتعليمي، فالجريمة -أيًّا كان نوعها- ما هي إلا سلوك مذموم، والسلوكيات المذمومة عادة ما تنشأ من طغيان جانب الشر على جانب الخير في الأفراد، والشر ليس طبيعة في بني آدم، بل هو مكتسب، فكل مولود يولد على الفطرة السوية السليمة، وهي صفحة بيضاء نقية مثل الصفا، والأبوان يرسمان على هذه الصفحة بألوانهما، فإن كانت الصورة المرسومة قاتمة بألوان سوداء أو رمادية، انطبعت في قلب الطفل بالقتامة نفسها، فأثرت في وجدانه وسلوكه، لتقيمه على طريق الشر، قائدًا أو مقودًا، فيسلك مسالكه، ويتتبع خطاه. وإن كانت ألوان الأبوين زاهية مبهجة، تلفت الأنظار إلى الخير، وتقيم الولد على طريقه، وتربي فيه المعاني السامية، والأخلاق الرفيعة، والآداب الإسلامية العالية، أقامته على طريق الخير، فسلك سبيله وتتبع خطواته بخفة ورشاقة
. | |
|