رحلة نحو الحرية
الحرية ، ذالك المكان البعيد ، الذي يضهره
نوره الخافت من هذا المكان ، كنبراس هو جميل ، معضم وقتي إن لم أقل كله ،
أقضيه تأملا ذالك الوهج ، فلا أحتاج للمساء حتى أراه ، فلا صباح عندنا هنا ،
يوم كله ليل ، وظلام دامس ...
ذات يوم قررت ان أسافر لذاك المكان ، سألت
جدي عن السبيل له ، ضحك تلك الضحكة التي تخفي نوعا من الحن أو هو خوف ربما ،
خلف تلك العيون التي ينعكس فيها وهج الحرية، أجابني بكل ثقة أنني لن أبلغ
هدفي ، فالطريق ليست معبدة، ولن يسهل عني الوصول لمرادي، أخبرني عن تلك
الوحوش الضواري التي سألقاها ولن أعبرها الا إذا قضيت عليها ، فلا هو
التوسل ولا الهرب سيحميانني من بطشهم بعد المحاولة ، فللحرية طريق دونما
رجعة ، ثم استرسل في الكلام قائلا . '' يا بني سبق في هدا المشوار أناس
تشتاق عيونهم للشمس بغير رجعة ولا وصول للهدف ''
شكرا جدي فلم يزدني كلامك سوى قوة و عزما حتى
أنطلق في مشواري للموت أو الوصول للنور ، إمتطيت ضهر الكرامة و صهيلها يدوي
في المكان معلنتا فرحها بالفارس الجديد و المحاولة الجديدة . الإيمان
بالمبدأ و العزم على تحقيق الهدف و الثقة كانوا قوتي و سلاحي ، و انطلقت
...
مع أول خطوة إخترق أحد السهام ظهري ، تألمت فلم
أتوقع أبدا أن أول هجمة ستأتي من الخلف ، استدرت لأجدهم جُهًل قومي في
محاولة منهم منعي عن هذه الرحلة خوفا منهم عني ، أخرجت السهم أمام أعينهم
كرد مني أنني سأمضي قدما للمجد و أعبد لهم الطريق ليتبعوني ..
مضيت في سيري ... بخطوات مسرعة تارة و بخطوات
الحذر تارة أخرى، أحارب بكل ما أوتيت من قوة كأنما أنا صلاح الدين في فتح
المقدس ، أو طارق ابن زياد في فتح الأندلس ... أسقط حينا و أسقط تلك الوحوش
حينا أخر ، و في كل مرة يرتطم بها وجهي أرضا ، أقوم بقوة أكثر كأنما هي
الأرض تمدني بقوة خفية لتظهر دعمها قضيتي ، فحتى الأرض تحملهم كرها و تشتهي
ابتلاعهم ، لن أنكر أنني فكرت في بعض اللحظات التراجع ، لكن وعدي لجدي و
حبي لأبنائي و أحفادي ورغبتي لهم العيش الكريم ، لا جهل ، لا استعباد ، و
لا أسر الألباب أتمناه لهم ، فأكملت .. كانت الموت تأبى ضمي .. إيمانا منها
بهدفي ، و انتصرت أخيرا بعد معركة طويلة جدا ، بفضل أولائك الرجال الذين
أبو الصمت و المسير في الظلام ، الذين ساندوني و كانو لي خير رفيق و خير
أنصار ، لهم أرفع قبعتي احتراما .
اااه كم هو جميل ذالك الإحساس بفتح الحرية و
عم نورها أرجاء المكان ليصل للأرض التي قدمت منها ، عدت لجدي و ابتسامة
النصر تعلو محياي ، و دموع الفرحة تتلاعب بين طيات الزمن البادية على وجهه .
لا مستحيل مع العزم ، و لا عزم مع الجهل ، و
لا حرية مع السبات العميق ، فحاربوا الجهل و أيقظوا النيام لعلهم وإن لم
يشاركوا يصفقوا لكن عند الانتصار.