إن اكتشاف مصدر الخلايا السرطانية ليس مهمًا فقط لنجاح العلاج، ولكن إذا لم تنجح العلاجات الحالية للسرطان في تدمير الخلايا الجذعية السرطانية جيدًا، فإن الورم سيظهر مرة أخرى. هذا بالإضافة إلى إمكانية ألا يقضي العلاج الكيماوي، مثلاً، تمامًا على الخلايا الجذعية السرطانية المقاومة له. وبناءً عليه، فإن الورم الذي سيتكون بعد ذلك يحتمل بدرجة كبيرة أن يكون هو الآخر مقاومًا للعلاج الكيماوي. وإذا تم الكشف عن الورم السرطاني في وقت مبكر كفاية، فيمكن القضاء على نسبة كبيرة منه ومنعه من الظهور مرة أخرى بطرق العلاج التقليدية. ولكن كلما ازداد حجم الورم، ازدادت صعوبة إزالته دون مواجهة مقاومة منه وترك ما يكفي في الجسم لإعادة ظهوره مرة أخرى.
يمكن أن تتسبب بعض علاجات السرطان إلى جانب العلاج الكيماوي، مثل دواء باكليتاكسيل المستخدم في علاج سرطان المبيض (سرطان عادةً ما يُكتشف في مراحل متأخرة) في رفض الجسم الاستجابة إلى العلاج الكيماوي (تنتكس 55-75% من الحالات بعد أقل من عامين[11]). ويحتمل أن تكون هذه العلاجات تفعل ذلك عن طريق تدمير الخلايا السرطانية سريعة التأثر بالدواء (يستهدف خلايا CD44 الإيجابية، وهي سمة ارتبطت بزيادة مدة بقاء بعض سرطانات المبيض) ويترك تلك الخلايا التي لم تتأثر بدواء باكليتاكسيل (خلايا CD44 السلبية) لتنمو من جديد، وذلك حتى بعد إزالة أكثر من ثلث إجمالي حجم الورم.[12] ومع ذلك، فإن هناك دراسات تبين كيف يمكن استخدام دواء باكليتاكسيل مع لجائن أخرى للتأثير على خلايا CD44 الإيجابية.[13] وبينما أصبح دواء باكليتاكسيل مؤخرًا لا يستطيع وحده علاج مرض السرطان، فإنه فعال في إطالة عمر المرضى.[11]
النماذج الميكانيكية والرياضية
متى تم وضع فرضيات طرق علاج السرطان، أصبح من الممكن وضع نماذج الرياضيات الحيوية التنبؤية،[14] بناءً على طريقة الحيز الخلوي على سبيل المثال. على سبيل المثال، يمكن معرفة معدلات نمو الخلايا الشاذة من نظيراتها السليمة من خلال معامل طفرات محددة. وقد تم توظيف مثل هذا النموذج للتنبؤ بأن تضرر الخلايا الناضجة بشكل مستمر يزيد من فرصة تكوين خلايا جديدة شاذة، وبالتالي خطر الإصابة بالسرطان.[15] ومع ذلك، فإنه ينبغي القيام بالكثير من الأبحاث قبل تحديد الفعالية الإكلينيكية لهذه النماذج[16].
أصل الخلايا الجذعية السرطانية
ما زال أصل الخلايا الجذعية السرطانية مجالاً للبحث المستمر. وقد تم تشكيل العديد من المجموعات داخل المجتمع العلمي للنظر في هذه المسألة، ومن المحتمل أن تكون عدة إجابات صحيحة، وذلك بناءً على نوع الورم والنمط الظاهري له. جدير بالذكر أنه سوف يثار فارق واحد مهم في كثير من الأحيان وهو أن خلية المنشأ للورم لا يمكن أن توضيحها باستخدام الخلية الجذعية السرطانية كنموذج. ويرجع السبب في ذلك إلى أن الخلايا الجذعية السرطانية معزولة عن أورام المرحلة الأخيرة. ولذلك، فإن وصف الخلية الجذعية السرطانية بأنها خلية المنشأ كثيرًا ما يكون ادعاءً غير دقيق، على الرغم من أن الخلية الجذعية السرطانية قادرة على بدء تكوين ورم جديد.
مع هذا التوضيح المذكور، فإن العديد من النظريات تحدد أصل الخلايا الجذعية السرطانية. وباختصار، قد تكون الخلايا الجذعية السرطانية: طفرات في خلايا جذعية متطورة أو خلايا سليفة متطورة أو طفرات في خلايا جذعية بالغة أو خلايا سليفة بالغة أو خلايا طفرية تكتسب صفات الخلايا الجذعية. كثيرًا ما تركز هذه النظريات على خلية المنشأ للورم ومن ثم ينبغي التعامل معها بشيء من الحذر والشك.
يفضل بعض الباحثين النظرية التي تقول إن علة تكوين الخلية الجذعية السرطانية هي حدوث طفرة في مجموعات الأعشاش البيئية للخلايا الجذعية أثناء تكونها. ويستلزم التطور المنطقي لهذه النظرية أن تتعرض هذه المجموعات الجذعية لطفرات ثم تنتشر إلى حد أن تتشارك في الطفرة العديد من الخلايا المتحدرة من الخلايا الجذعية الطفرية. وتصبح هذه الخلايا الجذعية الابنة أقرب ما تكون إلى أن تتحول إلى أورام، وبما أن هناك الكثير منها، تزيد احتمالات تسبب الطفرة في تكون سرطان[17].
توجد نظرية أخرى تربط بين الخلايا الجذعية البالغة وتكون الأورام. ويرتبط ذلك في معظم الأحيان بالأنسجة التي يرتفع معدل تجديد خلاياها (مثل، أنسجة الجلد أو الأمعاء). في هذه الأنسجة، كان يُفترض منذ فترة طويلة أن تكون الخلايا الجذعية مسئولة عن تكوين الورم. ويعتبر ذلك نتيجة منطقية لعمليات الانقسام الخلوي المتكررة لهذه الخلايا الجذعية (مقارنةً بمعظم الخلايا الجذعية البالغة)، بالإضافة إلى العمر المديد للخلايا الجذعية البالغة. ويساعد هذا التركيب في إيجاد مجموعة من الظروف المثالية لتتراكم الطفرات، مع العلم أن تراكم الطفرات هو العامل الأساسي الذي يؤدي إلى بداية السرطان في الجسم. وعلى الرغم من الدعم المنطقي لتلك لنظرية، فإنه في الآونة الأخيرة فقط ظهر دليل على أن هذا الارتباط يمثل ظاهرة فعلية. ومن المهم الأخذ في الاعتبار أنه نظرًا للطبيعة غير المتجانسة للدليل على وجود الخلايا الجذعية السرطانية، فمن المحتمل أن يتكون أي نوع سرطان من أصل بديل.
كثيرًا ما يبزغ احتمال ثالث وهو إمكانية إلغاء تمايز الخلايا الطفرية لدرجة أن تكتسب هذه الخلايا خصائص الخلية الجذعية. ويستخدم هذا الاحتمال كثيرًا كبديل محتمل لأية خلية منشأ محددة؛ حيث إنه يشير إلى أن أية خلية يمكن أن تصبح خلية جذعية سرطانية.
يوجد مفهوم آخر متعلق بهذه المسألة وهو مفهوم السلسلة الهرمية للورم. يدعي هذا المفهوم أن الورم عبارة عن مجموعة غير متجانسة من الخلايا الطفرية التي تشترك جميعًا في بعض الطفرات، ولكنها ستختلف في أنماط ظاهرية معينة. في هذا النموذج، يتكون الورم من عدة أنواع من الخلايا الجذعية، يعد أحدها الأمثل لبيئة بعينها بينما يمثل العديد منها بدائل أقل نجاحًا. ويمكن لهذه البدائل الثانوية أن تصبح أكثر نجاحًا في بعض البيئات وتسمح للورم بالتكيف مع بيئته، بما في ذلك الطرق التي يمكن معالجة الأورام بها. وإذا كان هذا الوضع صحيحًا، فإن له انعكاسات خطيرة على واقعية طرق العلاج النوعية للخلية الجذعية السرطانية.[18] بداخل نموذج السلسلة الهرمية للورم، سيكون صعبًا للغاية تحديد أصل الخلية الجذعية السرطانية.
تأثير الخلايا الجذعية السرطانية على علاج السرطان
إن وجود الخلايا الجذعية السرطانية له تأثيرات عدة على طرق علاج السرطان في المستقبل. وتشمل هذه التأثيرات تعيين المرض ووضع أهداف علاجية انتقائية ومنع انتشار المرض وتحديد استراتيجيات جديدة للتدخل العلاجي.
إن الخلايا الجذعية الجسدية السليمة تقاوم بطبيعتها أدوية العلاج الكيماوي (chemotherapeutic agents)؛ حيث إن لديها مضخات متعددة (مثل، مقاومة الأدوية المتعددة MDR) تقوم بضخ الأدوية ويقوم الحمض النووي DNA بتجديد البروتينات، بالإضافة إلى أن معدل تجديد الخلايا لديها بطئ (أدوية العلاج الكيماوي تستهدف بصورة طبيعية الخلايا سريعة التكاثر)[بحاجة لمصدر]. إن الخلايا الجذعية السرطانية التي تحولت من خلايا جذعية سليمة يمكن أيضًا أن تنتج بروتينات تعمل على زيادة مقاومتها لأدوية العلاج الكيماوي. تقوم هذه الخلايا الجذعية السرطانية التي ما زالت على قيد الحياة بإعادة تكوين الورم؛ مما يسبب حدوث انتكاس. من خلال الاستهداف الانتقائي للخلايا الجذعية السرطانية، سيصبح من الممكن علاج المرضى الذين يعانون من أورام عدوانية وغير قابلة للاستئصال، فضلاً عن منع الورم من الانتشار في الجسم. تشير الفرضية العلمية إلى أنه بعدما يتم القضاء على الخلية الجذعية السرطانية، فإن السرطان سيتقهقر بسبب التمايز الخلوي و/أو موت الخلية[بحاجة لمصدر]. ولم يتضح بعد النسبة التي تمثلها الخلايا الجذعية السرطانية من خلايا الورم، وبالتالي ضرورة القضاء عليها.[19]
قدم عدد من الدراسات أبحاثًا في إمكانية تحديد واسمات معينة يمكن أن تميز الخلايا الجذعية السرطانية من كتلة الورم (وكذلك من الخلايا الجذعية السليمة).[5] هذا بالإضافة إلى البحث في التوقيعات البروتيومية والجينومية للورم[بحاجة لمصدر]. وفي عام 2009، اكتشف العلماء مركبًا، وهو السالينوميسين، الذي يقلل بشكل انتقائي نسبة الخلايا الجذعية السرطانية في الثدي لدى فئران التجارب، وذلك أفضل 100 مرة من الباكليتاكسيل المستخدم بكثرة كأحد أدوية العلاج الكيماوي للسرطانات[20].
المسارات الخلوية
من المؤكد أن تصميم أدوية جديدة لعلاج الخلايا الجذعية السرطانية سيتطلب فهم الآليات الخلوية التي تنظم عملية تكاثر الخلية. وقد حدثت الإنجازات الأولى في هذا المجال في الخلايا الجذعية المولدة للدم ونظيراتها المتحولة في سرطان الدم، وهو المرض الذي تمت دراسة أصل الخلايا الجذعية السرطانية جيدًا من أجله. وقد أصبح من الواضح الآن أن الخلايا الجذعية في العديد من أعضاء الجسم تتشارك المسارات الخلوية نفسها، كما في حالة سرطان الدم الناتج عن الخلايا الجذعية المكونة للدم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن خلية جذعية سليمة يمكن أن تتحول إلى خلية جذعية سرطانية عن طريق اختلال تنظيم تكاثرها ومسارات التمايز التي تتحكم بها أو عن طريق تحفيز نشاط البروتينات الورمية.
جين Bmi-1
تم اكتشاف جين Bmi-1 من مجموعة polycomb المسئول عن تعطيل استنساخ الخلايا باعتباره جين ورمي عادي ينشط في الورم اللمفي[21] وثبت مؤخرًا أنه ينظم تكاثر الخلايا الجذعية المكونة للدم على وجه التحديد.[22] كما اتضح دور جين Bmi-1 في الخلايا الجذعية العصبية.[23] ويبدو أن مسار هذا الجين يكون نشطًا في الخلايا الجذعية السرطانية في أورام المخ لدى الأطفال.[24]
جين Notch
كان مسار جين Notch يُعرف لعلماء أحياء النمو منذ عقود مضت. وقد ثبت الآن أن دوره في السيطرة على تكاثر الخلية الجذعية يمتد لأنواع متعددة من الخلايا، بما في ذلك الخلايا الجذعية المكونة للدم والخلايا الجذعية العصبية والخلايا الجذعية الثديية[25]. جدير بالذكر أن مسار Notch يعمل كجينات ورمية في أورام الثدي[26] والأورام الأخرى.
جينا القنفذ الصوتي وWnt
إن هذين المسارين يعملان كمسارات منظمة للخلية الجذعية.[27] وعادة ما يزداد نشاط مساري القنفذ الصوتي (SHH) وWnt بشدة في الأورام، كما أنهما ضروريان لنمو الورم. ومع ذلك، فإن عوامل استنتساخ جين Gli التي ينظمها بروتين القنفذ الصوتي تستمد اسمها من الأورام الدبقية (gliomas) حيث يتم تعبيرها عادةً عند مستويات عالية. والجدير بالذكر أنه يوجد قدر من التداخل بين المسارين وعادةً ما ينشطان معًا.[28] وهذا مجرد اتجاه وليس قاعدة ثابتة. على سبيل المثال، في سرطان القولون تظهر إشارة المسار القنفذي مقاومة لمسار Wnt.
إن محصرات مسار القنفذ الصوتي متوفرة، مثل السايكلوبامين. ويوجد أيضًا نوع جديد من السايكلوبامين قابل للذوبان في الماء يمكن أن يكون أكثر فعالية في علاج السرطان. وهناك أيضًا مركب ديميثيلامينو بارثينولين (DMAPT) القابل للذوبان في الماء والمشتق من مركب بارثينوليد (يسبب ضغط التعرض للمواد المؤكسدة ويوقف إرسال إشارات العامل النووي كابا بي (NF-kB))[29] لعلاج سرطان الدم النخاعي الحاد وربما يستخدم أيضًا في علاج سرطان العظام وسرطان البروستاتا. وقد بدأت تجربة إكلينيكية لمركب ديميثيلامينو بارثينولين في إنجلترا في أواخر عام 2007 أو عام 2008. علاوةً على ذلك، بدأ مؤخرًا إدخال دواء إيميتيلستات أو (GRN163L) في التجارب التي تستهدف الخلايا الجذعية السرطانية في سرطان العظم المعروف باسم المايلوما (myeloma). إذا كان من الممكن القضاء على الخلية الجذعية السرطانية، إذن من الممكن الشفاء من السرطان إذا لم تكن هناك المزيد من الخلايا الجذعية السرطانية لتقوم بتكوين سرطان مرة أخرى. وأخيرًا، فإن إنزيم التيلوميراز مؤهل ليكون موضوع دراسة في علم وظائف الخلية الجذعية السرطانية