تعرض سمير جعجع، رئيس حزب "القوات اللبنانية،" المعارض لمحاولة اغتيال
ليل الأربعاء، بطريقة وصفها بأنها فائقة التطور، في تطور جر موجة من ردود
الفعل الداخلية بسبب حساسية الوضع اللبناني على خلفية الأحداث في سوريا،
خاصة بعد مواقف جعجع والمعارضة اللبنانية المناهض للنظام السوري والقوى
المتحالفة معه بلبنان، وفي مقدمتها حزب الله.
وقال ملحم رياشي، مسؤول التواصل الإعلامي في الحزب لـCNN بالعربية، إن
المعلومات المتوفرة تشير إلى أن العملية جرت بطريقة فائقة التطور، وذلك من
خلال استخدام أكثر من بندقية خاصة بعمليات القنص.
وأضاف رياشي، في معلومات خاصة لـCNN بالعربية، إن التحقيقات كشفت عن
وجود بندقيتي قنص جرى تمويههما في بشكل شديد الاحتراف بين شجيرات في تلة
مقابلة لمقر جعجع ببلدة معراب.
وأضاف رياشي أن القناصين كانا يحركان أسلحتهما بتوجيهات من الكمبيوتر،
وذلك من مسافة تبعد أكثر من كيلومتر عن مقر إقامة جعجع، مشيراً إلى أن
مروحيات تابعة للجيش اللبناني تحلق في مناطق الأحراش الكثيفة المحيطة
بالموقع، في محاولة لتتبع أثر المنفذين، غير أنه أقر بصعوبة المهمة.
من جهته، عقد جعجع مؤتمراً صحفيا في ظل أجواء أمنية استثنائية، وانتشار
حواجز للجيش اللبناني والقوى الأمن الداخلي على الطرق المؤدية إلى مقره،
تحدث فيه عن محاولة الاغتيال.
وقال جعجع: "كنت أسير مع بعض الشباب، ولمحت زهرة جميلة على الأرض،
انحنيت لأقطفها فسمعت طلقين ناريين مدويين، وأشكر الله أن الشباب كانوا
على مسافة بعيدة مني، فبقيت منبطحا على الأرض لفترة. ثم رأينا ثغرتين في
الحائط، فاتصلنا على الفور بالقوى الأمنية التي عاينت المكان وانتزعت
الرصاصات بحيث تبين أنها أطلقت عن بعد حوالى كيلومتر وما فوق من قبل قناصة،
في أغلب الظن أنهم أكثر من قناص."
وأشار جعجع إلى أن الرصاصات كانت من عيار 12.7 و14.5، أي من العيار
الثقيل، مشيراً إلى أن قوات الجيش والأمن الداخلي "تقوم في الوقت الحاضر
بعملية مطاردة واسعة في مكان إطلاق النار لملاحقة الفاعلين في الأحراش."
ونقلت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية عن جعجع قوله: "كنت دائما أقول
إن المحاولات كان الهدف منها توجيه رسالة. أما هذه المرة فكان المراد أن
تكون هذه هي الرسالة الأخيرة،" وتابع: "هناك فريق معين يرد علينا منذ 40
عاما بالاغتيالات، بينما نحن لا نتكلم إلا في السياسة."
وربط جعجع محاولة اغتياله بـ"ظروف اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري
(عام 2005) الذي جل ما قام به هو أنه بدأ يزداد حجما أكبر من المعطى له،
وتبين لخصومه أن الشعب اللبناني بدأ يلتف حوله، وأنه سوف ينال حصة وازنة
في انتخابات عام 2005" في إشارة إلى مقتل رئيس الوزراء السابق الذي ألقت
القوى المؤيدة لها بالمسؤولية في اغتياله على النظام السوري.
ورفض جعجع توجيه اتهامات صريحة لأي طرف، غير أنه قال إن لديه "شكوك"
حول جهة معينة مضيفاً: "الطرف الذي يقف وراء محاولة اغتيالي هو محترف
بامتياز، والدليل الأسلحة التي استخدمت من هذه المسافة.. ما حصل هو محاولة
استهداف عن بعد بأجهزة متطورة جدا، ولا أخفيكم أنها تفوق قدراتنا. فهناك
امكانية أنهم قاموا بوضع كاميرا على بعد 4 كلم تقوم بمراقبة المركز لترصد
التحركات وتعطي الأوامر لفرقة تقوم بالتنفيذ عند إيجاد أي فرصة."
وعن سبب محاولة اغتياله، قال: "نحن على مقربة سنة من الانتخابات،
والرئيس رفيق الحريري اغتيل على بعد أشهر منها، فهناك أوجه شبه عديدة بين
عمليتي الاغتيال بغض النظر عن الفارق بين الأشخاص والمواقع. وأنا متأكد أن
محاولة الاغتيال هذه تأتي في السياق نفسه."
وأفادت وكالة الأنباء اللبنانية أن جعجع تلقى اتصالات شاجبة للحادثة،
بينها اتصالات من الرئيس ميشال سليمان، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ووزير
الداخلية مروان شربل، سفيرة الولايات المتحدة الأميركية مورا كونيللي.
كما تلقى جعجع اتصالاً من حليفه الرئيسي في المعارضة، رئيس الوزراء
السابق، سعد الحريري، الذي اعتبر أن المحاولة "تأتي في سياق مسلسل طويل من
استهداف القيادات الوطنية اللبنانية، إنما هي محاولة شطب رمز من الرموز
السياسية التي لها مكانتها ووزنها في الحياة السياسية اللبنانية."
أضاف: "إن هذا الاعتداء الإرهابي الذي فشل بمشيئة الله وحمده يرتب
مسؤوليات كبيرة على السلطات اللبنانية السياسية كما الأمنية، لمتابعة
القضية وكشف كافة ملابساتها،" مواصلاً التأكيد على حق اللبنانيين في "دولة
سيدة مستقلة متحررة من الوصاية ومن إرهاب السلاح" على حد تعبيره.
من جانبه، اعتبر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، إن على
الأجهزة الأمنية اللبنانية "تحمل مسؤولياتها كاملة، للحيلولة دون الوصول
إلى حالة من الانكشاف الأمني أو عودة الاغتيالات السياسية أو إعادة إنتاج
المرحلة الدموية السابقة، قياسا إلى الموقف أو الرأي السياسي."
وحذر جنبلاط من "أي مغامرات في هذا المجال، لأن من شأن ذلك مفاقمة
التوتر والانقسام في لبنان ودفع البلاد نحو المزيد من المشاكل والمخاطر،"
على حد تعبيره.
يشار إلى أن سمير جعجع هو أحد أبرز القيادات المسيحية في لبنان، وقد
سبق له أن دخل السجن عام 1994 في قضية على صلة بأحداث الحرب اللبنانية
الأهلية، رغم نفيه الضلوع فيها واتهام السلطات آنذاك بتوجيه اتهامات
سياسية له، ولكنه ظل في السجن حتى عام 2005 عندما خرج بعفو نيابي بعد
انسحاب الجيش السوري من لبنان إثر اغتيال الحريري.
ويمتلك جعجع الكتلة المسيحية الأكبر في المعارضة اللبنانية التي تعمل
ضمن تحالف "14 آذار" والتي فقدت السلطة في يونيو/حزيران 2011 بعد انتقال
كتلة نيابية يقودها وليد جنبلاط إلى صفوف تحالف "8 آذار" الموالي لسوريا،
بقيادة حزب الله، والتيار الوطني الحر، الغريم الأكبر للقوات اللبنانية في
الشارع المسيحي.
وقد كان لجعجع مواقف علنية مؤيدة للانتفاضة السورية، بخلاف الكنيسة
المارونية التقليدية التي أبدت الكثير من التحفظات على دور القوى
الإسلامية بالمنطقة، كما تراهن قوى "14 آذار" على تحقيق فوز بالانتخابات
عام 2013 يعيد إليها الأكثرية، خاصة مع المواقف الانتقادية الواضحة لجنبلاط
مؤخراً حيال النظام السوري