عرفه المصريون والعرب بـ'جمعة الشوان'، وعرفته أجهزة التخابر العالمية بـ'الأسطورة'، هو الأطول زمنا في خطة الخداع، وصيده الأثمن بعد إتيانه بأغلى 'جهاز لاسلكي' من إسرائيل لمصر، لن ينسى المشاهد مشهد 'نخب الانتصار' وهو برفقة 'الريس زكريا'، والرسالة تصل للموساد 'تشكره على حسن تعاونهم معنا'.
هو عميل المخابرات المصرية 'أحمد محمد الهوان'، الذي مرت ذكرى وفاته الأولى في الأول من نوفمبر دون أن يتذكره أحد، كما عاش منسيا في سنوات عمره الأخيرة، يعاني 'الهوان' بعد العزة والتضحية في سبيل بلده، 'الهوان' المولود في السويس عام 1939، عانى القصف الإسرائيلي مع أهل القناة، وذاق مرار التهجير بعد 'نكسة 67'، بعد أن طال القصف 'مركب صغير' وطال أيضا 'بصر زوجته'.
كان يعمل مع شخص يوناني يمتلك مراكب شحن بضائع، وبعد الحرب سافر 'الخواجة' ومعه مستحقات 'الهوان'، وطال البحث عن 'الخواجة' دون جدوى، فاضطر للعمل في 'السوق السوداء' لتجارة الأغذية، بعد حالة الحرب وارتفاع أسعار السلع، لكنه قرر السفر لليونان للبحث عن شريكه وأخذ أمواله.
لم يجد 'الخواجة'، ونفدت أمواله، وقابل 'الريس زكريا الدمياطي' وعرض عليه أن يبيع 'ساعته له'، فقبل 'الريس زكريا' الأمر وطلب منه العودة لمصر، لكن 'الشوان' لم يستمع له، خاصة بعد ظهور شريكه اليوناني، وطلبه أن يعمل معه على مراكب الشحن.
في اليونان تعرف على حسناوات من مختلف الجنسيات، لكن وقع بغرام الشقراء 'جوجو'، وسافر معها إلى 'بريستل لانج شاير' بإنجلترا لمقابلة والدها و الزواج منها، وقتها بدأت لعبة 'الموساد'، وتعرف على 'إبراهام وجاك'، وبعد 'سهرة حمراء' قضاها الثلاثة، اتفقوا على أن يعمل معهم في شركة الحديد و الصلب، وأن يكون 'ضابط إداري' لفرع الشركة الجديد بمصر، على أن ينقل لهم بعض المعلومات حول الحالة العامة وأسعار السلع، وسلموه '185 ألف دولار' ليفتتح فرع الشركة في 'عمارة الإيموبيليا' و'سيارة' له، ويملأ دكانه بالبضائع الغذائية.
خاف 'الهوان' من طلب إبراهام وجاك 'أبو داوود'، وخشي أن تكون عملية تجنيد جواسيس، فذهب وطلب مقابلة 'جمال عبد الناصر'، وأبلغه 'سامي شرف' - مدير مكتب الرئيس - أن يبلغه الأمر وسينقله للرئيس، لكن 'الهوان' رفض وأصر على طلبه، وبالفعل قابل 'عبد الناصر' وحكي له القصة، وأرسله الرئيس للمخابرات لبحث أمره.
في مبنى جهاز المخابرات، رأى 'الريس زكريا' - اللواء عبد السلام المحجوب محافظ الاسكندرية الاسبق - وقص عليه الأمر، وخضع لاختبارات للتأكد من صحة كلامه، بعدها تقرر تجنيد 'أحمد الهوان' كعميل مزدوج لصالح مصر، وكانت المعلومات ترسل بعلم من المخابرات المصرية على عناوين مراسلة الموساد في 'فيينا وألمانيا الغربية وانجلترا' باسم 'محمد سليم - ابن خالة الهوان'.
ازدادت أهمية 'الهوان'، وأبلغه 'أبو داوود' أنهم يعملون لصالح 'الموساد'، وتمادى 'الهوان' في تمثيل دوره مقنعا إياهم بأن عبد الناصر 'ودى مصر في داهية'، وأنه على استعداد لنقل معلومات عسكرية مقابل تعيينه 'محافظ للسويس' بعد انتهاء الحرب، وتدرب على كيفية استخدام موجات الراديو والكتابة بالحبر السري، وأعطوه جواز سفر إسرائيلي باسم 'يعقوب منصور - سكرتير أول السفارة الإسرائيلية بروما'.
أصعب موقف تعرض له الهوان كان في 'امستردام' عام 69، بعد أن طلب منه 'أبو داوود' الحضور، وقالوا له 'رأيناك تدخل مبنى المخابرات في مصر'، أنكر 'الهوان' كلامهم وتعرض للضرب المبرح لساعة كاملة، بعدها تأكدوا أنه صادق، وطلبوا منه التوسع في جلب المعلومات، وأعطاهم بيانات لقواعد عسكرية 'تضليلية' كطُعم اصطياد لهم.
قبل الحرب بأيام قليلة جاء لمصر ليحضر إجراء جراحة لزوجته، وبعد أيام قليلة طلبت منه إسرائيل الحضور إلى 'تل أبيب' لتوبيخه على إهمال إرسال أخبار الحرب، وبالغ 'الهوان' إظهار مشاعر الدهشة من مفاجأة مصر، ورغبته أن يفوز شركائه الإسرائيليين، وأخبروه أن مساعدات أمريكية ستصل وحتما ستنتصر إسرائيل، وأنهم سيرسلون معه 'جهاز لاسلكي جديد'، بشرط أن يخضع لاختبار 'كشف الكذب'، وكانت المخابرات المصرية قد دربته عليه جيدا.
بالفعل، أحضر 'الهوان' أسرع وأصغر جهاز لاسلكي لا يوجد منه سوى '4 أجهزة' في العالم كله آنذاك، وأطلقت عليه المخابرات المصرية 'البطة الثمينة'، جاء به في 'فرشة تلميع أحذية'، قام 'أبو داوود' بتلميع حذائه بها عدة مرات حتى لا يلاحظها أحد، وفي موعد متفق عليه معهم، أرسل لهم الرسالة الشهيرة 'من المخابرات العامة المصرية.. نشكركم على حسن تعاونكم معنا'.. وانتهت مهمة البطل 'أحمد الهوان' أو 'جمعة الشوان' كما عرف دراميا.
الضابط 'أبو داوود' كان 'شيمون بيريز' رئيس إسرائيل، كما قابل 'الهوان أيضا' كل من 'عزرا فايتسمان، ليفي أشكول، شلومو بن عامي، بن إليعازر'، أما 'جوجو'، فقد جندّها 'الهوان' لتعمل لصالح المخابرات المصرية، وجاءت لتعيش بالقاهرة الآن بعد أن أشهرت إسلامها.
أما 'الهوان نفسه' فعانى نكران الجميل خاصة بعد حادث تعرض له أثر على ساقه وعينه، واشتد عليه أمراض القلب فلم يجد سوى 'الجمعيات الخيرية' لتنفق على علاجه، وقال أخوه في لقاء تليفزيوني بعد وفاته أنه نزل 'التحرير' خلال ثورة 25 يناير لتثبيت الشباب والمشاركين على موقفهم، كما أن منزله الصغير تحول لمتحف خاص يجمع أوسمة حصل عليها ومواضيع صحف ومجلات محلية وعالمية تتحدث عن قصة 'أحمد الهوان'.