'التاريخ يعيد نفسه'.. كلمة قد تسمعها وتسخر منها وتقول في نفسك أنه لا
شيء يعيد نفسه حتى التاريخ، ولكن قد يحدث شيء ما فتعرف وتتأكد أن التاريخ
يعيد نفسه بالفعل، ولكن ليس بنفس ترتيب المشاهد وبالطبع ليس بنفس النتيجة
في كل مرة .
وإذا أردنا مثالا واضحا على ذلك، فلتنظر إلى شارع 'محمد
محمود'؛ فهو شاهدا على أحداث الثورة من بدايتها، وحتى الآن وتاريخ أحداث
العنف فيه تعيد نفسها كل مرة بطرق مختلفة ونتائج متباينة .
إذا تكلم
شارع 'محمد محمود' فسيحكي لك عن المرة الأولى التى بدأ فيها الضرب أثناء
أحداث محمد محمود التى سميت باسمه، إذ أنه سيذكرك بأنها وقعت يوم السبت 19
نوفمبر من عام 2011؛ عندما قامت قوات الشرطة بالاعتداء على المعتصمين
الموجودين في الميدان وذلك عقب جمعة 'المطلب الواحد' التى دعا لها الشيخ '
حازم أبو اسماعيل'، وطالب خلالها الناس المجلس العسكري بضرورة نقل السلطة
للمدنيين فى موعد أقصاه شهر ابريل عام 2012 .
وبعد انتهاء اليوم
اعتصم في الميدان بعض المصابين لأنهم لم يحصلوا على حقوقهم المالية
والعلاجية بالكامل، وأدى اعتداء الشرطة عليهم صبيحة يوم السبت لتزايد أعداد
المتظاهرين بشكل سريع ونتيجة لذلك أصبح طرفي الشرطة والمتظاهرين فى صدام
ثنائي؛ الشرطة فيه هي الطرف الأقوى .
استخدمت الشرطة كل الأسلحة
ابتداءا من 'الهراوات' والغاز المسيل للدموع مرورا بالرصاص المطاطي
وانتهاءا بالرصاص الحي إلى جانب ضرب المتظاهرين في 'الأعين' بالذات، وأسفرت
الأحداث التى استمرت حتى يوم 25 نوفمبر عن إصابة أكثر من 40 متظاهرا وآلاف
المصابين معظمهم فقدوا أعينهم .
وسيحكي لك شارع ' محمد محمود' عن
عدد الشباب الذين ماتوا فيه بسبب تلك الأحداث وعدد الذي اختنقوا بسبب قنابل
الغاز وعدد ضباط الجيش والشرطة الذين سحلوا إخوانهم المدنيين على 'أسفلت'
الشارع .
سيتوقف الشارع قليلا عن الرواية ليهدأ بعد تسارع الأحداث
المفزعة في عقله، ثم سيحكي لك عن أحداث محمد محمود الثانية التى حدثت يوم 1
فبراير من العام الحالي والتي أسفرت عن إصابة 800 شخص - خرجوا اعتراضا على
'مذبحة بورسعيد' - بسبب مناوشات بينهم وبين الشرطة على الجهة الأخرى إلا
أن تلك الأحداث لم تكن لتقارن بأي حال بأحداث 'محمد محمود' الأولى من حيث
العنف الموجه من الشرطة، ومن حيث الأسباب وحتى أعداد المتظاهرين الموجودين
في الشارع .
ثم لعلك ستسأل الشارع الآن عن الأحداث الأخيرة التى وقعت
في 12 أكتوبر فسينظر إليك متحسرا ليقول أن الأحداث بدأت عندما نزل الناس
من أكثر من تيار إلى ميدان التحرير لعمل مظاهرات أسماها الناس 'جمعة كشف
الحساب' للحديث عن آداء 'مرسي' أثناء أول 100 يوم له في الرئاسة .
وتسارعت
الأحداث بعد ذلك؛ حيث بدأ تراشق لفظي بين المتظاهرين في الميدان حينما قال
البعض شعارات منددة بجماعة الإخوان المسلمين وبالمرشد؛ حيث انقسم الناس
إلى طرفين، بعضهم مؤيدين للرئيس 'مرسي' وآخرون معارضين له، ثم امتد الموضوع
للتراشق بالحجارة داخل شارع 'محمد محمود'؛ حيث أسفر ذلك عن عشرات
الإصابات إلا أن الوضع هذه المرة مختلف، فهو ليس بين سلطة حاكمة ومحكوم
ولكنه بين مواطن ومواطن آخر عادي، على الرغم من اختلاف اتجاهات كلا منهما