الحب الوحيد ، الذي يمنح السعادة و الهناء للإنسان ، و يستحق منه السعي و العناء ، و يستحب منه ، فيه ، الصبر على الكروب و البلاء ، هو [ حب الله ] ؛ لأن العبد إذا أحب الله ، و الله أحبه ، فإن جل جلاله لن يخذل عبده المحب أبدا ، و لن يسلمه للخزي و الهوان و الغم و الشقاء ، ما عاش على هذه البسيطة ؛ فهو سبحانه و تعالى لن يرفض له طلبا ، و لن يخيب له أمـلا ، و كلما دعـاه استجاب له الدعـاء ، و كلما رجـاه حقق له الرجاء ، و بهذا الحب الإلهي سوف يحوز العبد الدنيا و ما فيها ، و يملك الناس و ما في أيديهم ، و يفوز في الآخرة بالجنة ، و ما يجري من تحتها من أنهار ، خالدا فيها أبدا .
أما باقي الحب؛ فهو مجرد سراب.. و ضباب.. و عـذاب... و هو كله احتياج .. و احتيال.. و افـتـقـار.. و احتـقـار...!!!
بمعنى أن المرء إذا احتاج إلى غيره، أو الغير احتاج إليه، فإنه يحتال عليه، حتى ينال ما يحتاج إليه، ثم ينفض عنه، و قد ينقض عليه؛ إذا أحس بالامتلاء و القوة و الغنى، و ربنا قال: " كلا إن الإنسان ليطغى إن رآه استغنى "...
و قد يسخر منه، و لا يذكر له الجميل، و لا يعترف له بالفضل. فالحاجة، كثيرا، ما تكون، في بعض الحالات، أم الرذائل، و في زمن كزماننا هذا لا تجدي فيه الفضائل.. لأن الحاجة ضعف و دنـيـة ، و الرذيلة ضعف و دنـيـة أيضا !!
و كذلك المرء إذا افتقر إلى شيء، أو إلى شخص؛ فإنه يغدو امرأ حقيرا؛ فالفقر يكاد عند بعض الناس أن يكون أبا العيوب كلها. و في الحب يكون الفقر العيب ذاتـه؛ إذ ينجم عنه العذاب و الحرمان و الذل و الهوان؛ حيث ترى الرجل يسعى وراء المرأة، و المرأة تعرض عنه.. و يسترضيها ، و هي تـتـأبى عليه .. و يشغف بها ، و هي تـقرف منه .. و يذكرها ، و هي تـنـساه .. و يبيت يردد : هي هي ، و تظل تؤكد : ليس هو ليس هو ...!!
و يشبه هذا القول ما ذكره الكاتب الكبير عباس محمود العقاد (1964/1889) في كتابه الجيد [ هذه الشجرة ] ، حين قال : " إن المرأة تعرض عمن يقبل عليها ، و تقبل على من يعرض عنها ؛ لأن المرأة تتهم نفسها إذا أعرض عنها الرجل ، فلا يهدأ بالها حتى تدفع عنها التهمة ، و تسترد إليها الثـقـة بفـتـنتها و غوايتها . و قد تشعر أنها بلغت من الرجل كل ما تود إذا هي لمحت الإعجاب بها، فلا حاجة بها إلى المبالاة به لأنها عرفت قيمتها لديه..."
و المرأة في هذا العصر أوعى من الشيطان، و أخبث من الثعبان؛ تظل تمني الرجل بغرور الأماني، و كذب الآمال؛ فلا تحقق له أمنية، و لا تجسد له أمـلا. و تظل تغويه، و لا تعطي له شيئا. و تغريه، و لا تروي له ظمـأ؛ فهو يكون وسط الماء و لا يشرب. و يحسب أن كل شيء عنده، و لا شيء عنده. و يمكث ـ ما شاء له قلبه الأعمى ـ يتعذب ، كما تعذب الملك الأسطوري تـنـتـالوس ، الذي تحكي عنه الأساطير الإغريقية القديمة ، أنه أراد أن يكون حـرا كريما ، فانتقمت منه الآلهة ، إذ وضعته في نهر من أنهار جهنم .. و كلما ارتفع الماء إلى شفتيه، و حاول أن يبل ريقه، انحسر الماء إلى قدميه.. وإذا رفع رأسه تدلى غصن شجرة تفاح، و لامست التفاحة شفتيه، فإذا حاول أن يأكلها، ارتفعت التفاحة بعيدا...!!!
و هكذا هي المرأة؛ تبتعد عن الذي يحبها بعيدا، كلما حاول أن يقترب منها قريبا.. و تقترب من الذي لا يحبها و يبتعد عنها بعيدا ...!!!
و في الحقيقة : ما البعد و القرب إلا ما كان بين القلوب.
إن أي علاقة حب ـ كما يرى الشاعر الفرنسي شارل بود لير (1867/1821) ـ لا يمكن أن تقوم إلا بين متـفـان وأقل تـفـانيا . بين قوي و أقل قوة . و هي ستكون تبعا لذلك علاقة بين جلاد و ضحية لا أكثر. و لا يكون الوفاق بين الحبيبين إلا نتيجة لسوء تفاهم معين، يقوم غالبا على التواطؤ و الخداع، بهدف الحصول و لو مؤقتا على الملذات.
و شتـان بين حـب و حـب..!!!