عدد المساهمات : 8263 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 01/06/2012 العمر : 31 الموقع : منتدي خلاصة تجاربي
موضوع: التعليم الأجنبي للأطفال والهوية العربية الإثنين سبتمبر 17, 2012 9:00 pm
شعور السعادة الذي غمرني عندما نطق طفلي، وهو في مرحلة الروضة كلمات باللغة الإنجليزية ، قطعا يغمر كل أم عربية ، أو على الأقل معظم الأمهات، وتلك هي الخطورة ، لأننا ننقل لأطفالنا من خلال حالة السعادة غير المبررة هذه ، رسالة مفادها ، أن هذه اللغة الأجنبية التي تتعلمها في المدرسة الأجنبية ، التي ألحقناك بها وندفع مصروفاتها بالدولار ، أهم وأنفع بل وأجمل من لغتك العربية ، ومع اعترافنا بأن منظومة التعليم العربي في انحدار وتخلف عن ركب التعليم العالمي ، إلا أن السؤال الذي لا بد أن نبحث له عن إجابة هو ، هل التعليم الأجنبي لأطفالنا خير كله ، أم أن له مخاطر لا بد أن نأخذ حذرنا منها ؟ وهل تعليم لغة أجنبية لأطفالنا قبل أن يجيد لغته الأصلية شئ يستحق هذه السعادة التي تغمرنا عندما ينطقون بها ؟ وأخيرا ما هي العوامل التي ساعدت على انتشار التعليم الأجنبي وزيادة مخاطره ؟ أهمية الاهتمام باللغة العربية وقبل الإجابة عن الأسئلة السابقة ، من المهم أن ننقل هنا ما قاله شيخ التربويين المصريين الدكتور حامد عمار عن أهمية الاهتمام باللغة العربية في بلادنا ، أو باللغة الأم لدى كل الشعوب ، حيث يقول د. عمار " إن الاهتمام باللغة الأم إنما يعزى إلي اعتبارها مكونا أساسيا من مكونات الخصوصية في هوية الشعوب وفي دعائم مفهوم الوطنية وتداعياتها. فاللغة ليست مجرد أصوات أو حروف ينطق بها اللسان, وإنما هي خامة التفكير ولحمته وسداته ،ومن ثم فإن اللغة العربية تعبير عن فكر يرتبط في خصوصياته بمعاني الهوية والوطنية والذات الثقافية والتراث الحضاري مما تختزنه من علوم العرب وتاريخهم وتجاربهم في غدوهم ورواحهم عبر الزمان والمكان. هذا فضلا عن كونها لغة القرآن الكريم والتواصل في الحاضر والماضي بكل تجلياته. ومن المهم أن نركز علي هجوم التعليم باللغة الأجنبية ، من خلال منظومة التعليم الخاص جدا في مراحل التعليم ، وعلي الآثار الخطيرة على لغتنا العربية وما يرتبط بها من كونها العروة الوثقى لوشائج الهوية والوطنية والقومية . ونحن هنا نفرق بين التعليم باللغة الأجنبية وتعليم اللغة الأجنبية، وندعو في هذا الصدد إلي وضع سقف لانتشار النوع الأول لا تتعداه، وإلى التوسع في النوع الثاني قدر ما نستطيع بأن يستمر تعليم لغة أجنبية لطلابنا خلال سنوات المرحلة الجامعية، بل وفي الدراسات العليا. أسباب الانتشار ولنبدأ الآن الإجابة عن الأسئلة ، حيث يحدد الدكتور عيد عبد الغني أستاذ طرق التدريس بجامعة المنصورة ، ثلاثة أسباب أساسية لانتشار التعليم الأجنبي في العالم العربي ، ويقول : السبب الأول في تقديري هو معاناة التعليم الحكومي من قصور شديد فى الإمكانيات ومستوى التدريس والمناهج وزحام الفصول.. فالتكدس فى المدرسة الحكومية يجعل العملية التعليمية مسئولية فى غاية الصعوبة خاصة أن المشكلة السكانية تزداد تعقيدا مع الأيام.. أما السبب الثاني فهو قلة نصيب الطالب العربي بشكل عام من الإنفاق التعليمي الذي لا يتناسب إطلاقـا مع ما يحدث في الدول المتقدمة ، فنصيب الطالب المصرى من ميزانية التعليم 130 دولارا، ويبلغ فى تونس 290 دولارا، وفى السعودية 1300 دولار، بينما يصل فى أمريكا الى 4700 دولار، أما فى اليابان فيبلغ نصيب الطالب من ميزانية التعليم 7000 دولار، ولنا أن نتصور الفرق بين 130 دولارا و7000 دولار، وهو الفرق بين مخصصات الطالب المصرى والطالب اليابانى. وثالث أسباب الإقبال على التعليم الأجنبي في العالم العربي ، هو وقوع التعليم الحكومي فريسة للعشوائية وغياب الرؤى وقصور الإمكانيات ، في الوقت الذي تتمتع فيه المدارس الأجنبية ببرامج تعليمية واضحة ومناهج مدروسة وأهداف ومخططات دقيقة . جملة من المخاطر وعن خطورة المدارس الأجنبية تقول الدكتورة آمال ياسين الأستاذة بجامعة الأزهر: أولا: بجانب الأعباء المالية الضخمة فإن هذه المدارس لا تلتزم بتدريس اللغة العربية ، وفي أحيان كثيرة لا تقوم بتدريسها على الإطلاق، وسوف نجد أنفسنا أمام أجيال لا تتحدث لغتها ولا تعلم منها شيئـا.. إن الأسرة المصرية وكذا الأسرة العربية تبدو سعيدة أمام أبنائها الصغار وهم يتحدثون اللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية ولا يتكلمون العربية.. وبعد جيل أو جيلين سوف نجد فى مصر مثلا وكذا في عدد من الدول العربية أغلبية من المواطنين لا يتحدثون اللغة العربية..فلنا أن نتصور هذا الانفصال الرهيب فى تركيبة المجتمع فى ظل طبقية جديدة صنعتها المدارس الأجنبية والتفاوت الطبقي الرهيب الذي يهدد نسيج هذا المجتمع فى أهم مقوماته. ثانيا: طمس الهوية الفكرية والشخصية الوطنية، فمع غياب اللغة سوف تختفى أشياء أخرى لا تهتم بها المدارس الأجنبية فى مناهجها ومن أخطرها مادة التاريخ.. إن التاريخ فى التكوين الثقافي والفكري والإنساني يمثل ضرورة شديدة الأهمية لأنه ذاكرة الشعوب.. ولنا أن نتصور شعبا بلا ذاكرة وبلا رموز وبلا قدوة. وعلى سبيل المثال فإن التاريخ الأمريكى هو الذى يحتل الدرجة الأولى فى مناهج 32 مدرسة أمريكية تنتشر فى ربوع مصر ، ابتداء بحرب الاستقلال وانتهاء بالحروب الأهلية . والتاريخ الإنجليزى له الصدارة في المدارس الإنجليزية.. إن روزفلت وتشرشل هما الرمز أمام التلاميذ المصريين.. وفى المدارس الفرنسية أو الألمانية أو الكندية نجد نفس المناهج التي تغوص فى تاريخ هذه الدول وتحتفي برموزها دون ذكر لرمز مصري أو عربي باستثناء تاريخ الفراعنة الذي تدرسه كل مناهج الدراسة فى العالم. ومع غياب اللغة والتاريخ فى مناهج المدارس الأجنبية غابت مادة الجغرافيا حيث صورة الوطن من حيث الموقع والدور والأهمية.. ومع غياب هذه الثلاثية لا وجود لمادة الدين أو التربية الوطنية.. هذه المواد هي التي تشكل شخصية الإنسان حين يتحدث لغته ويدرك تاريخه ويفهم عقيدته ويعتز بوطنه. ثالثا: القضاء على اللغة العربية الفصحى ، فإن عددا كبيرا من المدارس الأجنبية تصر على تعليم اللغة العربية باللهجة العامية وترفض تعليم اللغة الفصحى، كما أن هيئة التدريس من المدرسين والمشرفين والإدرايين من الأجانب، ورغم أن هناك قرارا وزاريا في مصر يقضى بألا تزيد نسبة الأجانب فى المدرسة على 10% من أعضاء هيئة التدريس إلا أن عددا كبيرا من هذه المدارس لا يستعين إلا بالمدرسين الأجانب، ويرفض المدرسين الوطنيين. إجراءت واحتياطات وللحيلولة دون وضع المجتمع تحت تاثير وزحف الثقافة الأجنبية يجب اتخاذ بعض الإجراءات والاحتياطات ، هكذا تتحدث الدكتورة هويدا فتحي المدرسة بكلية رياض الأطفال جامعة حلوان ، وتقول : يجب عدم تعريض الأطفال لأي لغة أجنبية في سن مبكرة ، باعتبار أن الدراسات الدولية والمحلية في الماضي والحاضر أثبتت تفوق وارتفاع معدلات التحصيل الدراسي لمن يدرسون بلغتهم الأم، على أقرانهم الدارسين بلغة أجنبية. فالنمو اللغوي ضرورة لتنمية ذكاء الطفل، فالطفل لديه خمسين ألف دائرة عصبية عند الميلاد خاصة بنمو وتعلم لغة واحدة، فإذا دخل للطفل لغتان على عقله يحدث له اضطراب. ولا مانع من تعلم لغة أجنبية، ولكن بعد إتقان اللغة الأم قراءة وكتابة، فبعض حالات التلعثم وتأخر الكلام في عيادات التخاطب، تنتج عن تعلمهم للغة أجنبية في سن مبكرة. وعلى الجانب الآخر رأت أن تعلم الطفل أكثر من لغة في سن مبكرة شفويا واستماعا وقراءة لا يصيبه بالاضطراب ولا يضعف لغته الأم ، بل ينمي شخصيته وثقافته ويزيد من حصيلته اللغوية والمهم هو طريقة التلقي والتدريس، ومن الأهمية بمكان وجود رقابة دائمة من الأجهزة المسؤولة في الدولة على ما تقدمه هذه المدارس والجامعات فمع أننا ندرك أهمية التعليم الأجنبى فى المجتمعات خاصة أن العالم الآن أصبح قرية صغيرة ، لكننا لا بد أن نعترف أيضا أننا أمام أهداف وأغراض سياسية لا يمكن أن نتجاهلها حتى وإن تسترت وراء المدارس والجامعات والمناهج التعليمية.. وأننا أمام عالم يحاول أن يفرض ثقافة واحدة فى ظل منظومة العولمة، ومحاولة دءوبة لطمس هوية الشعوب أمام حلم استعماري . نحن أمام حروب دينية أخذت أشكالا عديدة وفرضت أشكالا مختلفة للصراع تبدأ من الإرهاب وتنتهى عند مناطق الاحتواء والهيمنة. أخيرا يقول الدكتور محمد أبو ليلة أستاذ الدراسات الإسلامية باللغة الإنجليزية بكلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر: إنني من المؤيدين بشدة لتسلح طلابنا في العالم العربي باللغات الأجنبية ، بل وحتى الدعاة وعلماء الدين لا بد أن يعرفوا لغات مختلفة ، وحين يتخرج فى هذه المدارس شباب مسلح بالعلم والفكر والتكنولوجيا ، فلا شك أن ذلك سيعود بالنفع على مجتمعه ، غير أن ذلك يجب ألا يكون على حساب لغته وثقافته وتاريخه ودينه وتقاليده، نحن لا نريد أجيالا مشوهة حائرة ما بين تاريخ الآخرين ولغاتهم وسلوكياتهم وطريقتهم فى الحياة وبين تراثهم الضائع وذاكرتهم المفقودة.. نريد شبابا واعيا بالعصر الذى يعيش فيه دون أن يفرط فى جذوره التى تمتد عبر التاريخ. إن هذه الأجيال هي التي ستتحمل مسئولية الغد في كل شيء.. نحن سعداء أن يتسلحوا بالعلم وروح العصر الذي يعيشون فيه، ولكن الخسارة الكبرى أن نجد على رأس هذا المجتمع أجيالا مهجنة لا هي عربية ولا هي غربية ، وهذا ما يحدث الآن ليس فى مصر وحدها ، ولكن في كل العالم العربي والإسلامي. إن المطلوب الآن هو إنقاذ الهوية التي تختفى أمام أعيننا حيث لا لغة ولا تاريخ ولا أجيال تعرف شيئـا عن دينها أو وطنها.