سوريا.. سامحينا
قبالة شموخ وطنه الذي يحمل بين دفات كرامته السورية، سقطتُ خجلا.
كان يجوب شوارع العاصمة، التي ربما ما تصور انه سيزورها مكرها، عارضا ما كان بحوزة البيع بثمن يمكن ان يقيه سوء العالة.
وقع شموخه على ناضريّ وانا في
احدى مقاهي شارع الحبيب بورقيبة. كنت جالسة وكان واقفا على سقط انكساراتي
ليحدثني، بحضوره الموارب لعروبة صامتة، بانه سوري، وانه قدم منذ خمسة ايام
هربا من الحرب، ودون ان يدري قال لتاريخ يريد ان يطلق جثته في داخلي: أنا
عربي حر، أنا سوري حر، أنا سوريا التي لا تمد يدها لأمتعة الآخرين وتنحت من
الصخر عاطفة للمكان الممتد بين زمنين ضائعين. انا سوري، اذا ما خرجت من
بلدي فارغ اليدين فاني لا ألقي بكرامتي في معبر المارين بل أفتك من الحياة
ما يليق بشرفي الدمشقي.
لم يمد يده لأحد، امسك مصاحف صغيرة في صناديقها الخشبية المنقوشة وراح يبيعها للمارة بين حرائقه.
كان صوته أشبه بمحبة عتيقة تدق
نواقيس هشاشة عاطفتي، كانت عيناه تمتلئان ألما وكرامة، وكانتا توقضان
الثورة السورية في داخلي التي ما رأيتها يوما كما رأيتها في عينيه
المغرقتين في عروبتهما المنكسرة، المقصوفة غدرا بسلاح عربي وبأسد، خلنا
انه: عربي.
لا اعرف اسم ذلك الشاب ولم أره بعدها، لكن كان يكفي لان اعرف بانه سوري ليتدفق الوجع في داخلي اكثر.
كان يمشي بكل حرائقه على جثث مبادئي التي لم تنجد إحداها سوريا واحدا، حتى هذا الذي وقف لتوه قبالتي.
سقطت كل الأحرف العربية عن لساني وتاهت استعاراتي وكناياتي وفقدت زمام اللغة في حضرته.
لم استطع ان أقول له سامحني لأنك سوري، وانا، ما انا إلا سقط عروبة تحتضر.
ذهب.. وانطلقت دموعي في سيلها،
كان شيئا يلتهب في داخلي وكانت دموعي تحرقني خجلا من سوري يتوارى بين
المارة ليفقدني ما تمالكت به لأكثر من سنة أمام عيون الشهداء السوريين.
لم استطع أن استدرك القدر لأقول له سامحنا، لأننا كنا سببا في مجيئك القسري الينا.
لم استطع ان انعرج بما املك من ثقافة الى هوية اللغة وانسج من عباراتي المثقلة بالأسى لباسا يقيه برد الرحيل.
لم استطع ان ابني من مواقفي وقناعاتي ومبادئي وآلامي صرحا يقي السوريين عذابات الاسد.
لكنني قد املك قلبا يتألم كل يوم، وله من الوجع ما يكفيي لان يقول صادقا:
سوريا.. سامحينا.