لا أحد من البشر لايحب السعادة كقيمة معنوية جميلة ، ولا أحد أيضا" لا يحب أن يعيش سعيدا" في حياته العمرية ، فالكل يسعى الى تحقيق هذه السعادة ويعتبرها الغاية النهائية له ، فهذا لا خلاف عليه بين البشر بالطبع ، لكن السؤال الاهم هو كيف يمكن تحقيق تلك السعادة ، وماهي الطرق الموصلة اليها ؟
الاجابة على هذه الاسئلة يصعب تحديدها بمعيار واحد يمكن قياسه على كافة البشر ، باعتبار أنهم ليسوا متطابقين في صفاتهم العقلية وطريقة تفكيرهم ، بحكم وجود الفروق الفردية المختلفة فيما بينهم ، فما يكون مناسبا" لشخص بعينه قد لا يكون بالضرورة مناسبا" لأشخاص آخرين . فاذا سئل مجموعة من الناس عن العوامل أو الطرق التي تؤدي الى تحقيق هذه السعادة لديهم .. لتعددت الاجابات ، وربما في بعض الأحيان تطابقت .
فمنهم من يعزو ذلك الى أولوية الصحة .. ومنهم من يرجع تلك الأولوية الى المال ، أو الحب أوانجاب الأولاد ، أو السلطة ...
صحيح أن هذا لا يمكن التقليل من أهميته في أنه يجلب درجة معينة من السعادة تتفاوت بين شخص وآخر ، لكن الأكيد في النهاية لا يمكن أن يحصل على عين السعادة الحقيقية التي يريدها .
فالقاعدة الأساسية التي تقوم عليها تلك السعادة لا تأتي الا عن طريق قاعدة الانسان الفكرية الموصلة الى العقل وهي القلب ، باعتبار أن هذا الأخير وحده الذي يعقل تلك الأمور وغيرها . فالذي يتمتع بقلب سليم ، يتمتع أيضا" بعقل سليم ، وهذان ( القلب والعقل ) لا يكونان كذلك الا اذا أحبا رب هذه السعادة وهو الله ، الذي وحده يملك مفتاحها ، فالذي يحب ربه بصدق بالتحلي باخلاقه يكون الانسان الأسعد في الحياة ، وذلك سواءا" امتلك المقومات المادية والمعنوية ( الصحة ، المال .... ) أم لم يمتلك ، لأن الكثير من الناس من امتلك كل ملذات الحياة سابقة الذكر ، لكنه لم يحصل في النهاية على السعادة المرجوة ، وربما انتهى به الامر الى الانتحار ، لأنه لا يريد أن يكون له قلبا" نقيا" .
فهذه السعادة وما يوصل اليها من حاجات انسانية لم يخلقها الله لشريحة معينة من البشر دون غيرهم ، بل خلقها لجميع مخلوقاته على السواء بمختلف درجاتهم الايمانية ، ومن يقول غير ذلك يجهل حقيقة تلك الامور .
فلا تعارض أبدا" بين حصول الانسان على مراده من الحياة ، وبين صفاء قلبه المفعم بالحب والايمان اذا ما أراد الانسان أن يعيش الحياة على أصولها بسعادة تامة ، ومن ثم يسعى ويتنافس في تحقيق جميع ما يريد منها بعدالة لا تكون على حساب حقوق الآخرين ، لأن الله خلق الدنيا لكي يتمتع بها المخلوقات كما الآخرة تماما" ، ولا يحب أن تنتقص واحدة من الأخرى ، والا لما خلقهما ، لكن مع المحافظة على أولوية حياة الاستقرار النهائية اذا تعذر الجمع بينهما ، فهذا أخيرا" هو خلاصة الوصول الى عين السعادة