عدد المساهمات : 8263 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 01/06/2012 العمر : 31 الموقع : منتدي خلاصة تجاربي
موضوع: المرأة والطلاق الإثنين سبتمبر 17, 2012 8:44 pm
أثار موضوع الطلاق في الإسلام كثيراً من الحديث والجدل، وبعض هذا الجدل كان بالباطل ليدحض به الحق، فقد حاول بعض الباحثين أن يجعل من الطلاق طريقاً إلى التشكيك أو النيل من نظام الأسرة في الإسلام، وحسبوا أن الطلاق الذي يتفشى في بعض الطبقات الإسلامية نتيجة لبعض عوامل الجهل أو عوامل الفقر أمر يشجع عليه الإسلام، أو يبيحه من غير رقابة أو حدود.
والحق أن الإسلام لا يحرم الطلاق، ولكنه لا يريد أن يقع دون أن يكون له مسوغاته، ثم هو يتشدد في هذه المسوغات تشدداً واضحاً ويضع لها قيوداً ثقيلة.
ولعل أبرز الأحكام التي تدل على صيانة المرأة من أن تقع فريسة لسيف الطلاق يشهره الرجل في وجهها، أن الشريعة منحت هذا الحق، حق الطلاق، للمرأة ذاتها سلاحاً تدفع به عن نفسها حالات الظلم وخشونة المعاملة.
ولهذا ارتضت الأحكام الشرعية أن يكون الطلاق بيد المرأة إذا اشترطته في عقد الزواج، دفاعاً عنها واحتراساً مما قد تلقى من أذى، وتشجيعاً لها على دخول الحياة الجديدة في طمأنينة وثقة، حتى إذا دخلتها بالنية الطيبة والعمل الصالح أورثها الله الاستقرار والسكينة.
ومع ذلك فإن وقوع الطلاق تحت ضغط ظروف قاهرة لا تدفع، لا يحرم الرجل ولا المرأة فرص حياة أخرى يستعيدان فيها الطريق المستقيم.
إن المطلقة لا تفقد شيئاً من اعتبارها الاجتماعي في المجتمع الإسلامي.. إنها تدعى لتجول شوطاً آخر في الحياة مستفيدة من تجربتها السابقة متخلية عن بعض ما كان من عيوبها فيها أو تقصيرها عنها.
وإن الإنسان ليدهش حقاً إذ يرى مدى الرعاية التي خص بها الإسلام المرأة المطلقة، فقد اشترط في التسريح شرطين في آيتين:
شرط أن يكون بإحسان (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) (البقرة: من الآية229).
وشرط أن يكون جميلاً (وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً) (الأحزاب: من الآية49).
وكرر الإشارة إلى أن الزواج الجديد من حقها.. وأن لها أن تختار زوجها.. وحال بين الرجل وبين اضطهادها وعضلها وتوضح ذلك الآيات الكريمة التالية من سورة البقرة: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) (البقرة: من الآية231).
ثم قال تعالى: (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا) (البقرة: من الآية231).
واعتبر ذلك من الظلم فقال: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) (البقرة: من الآية231)، وقال: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: من الآية232).
وأكد على ذلك تأكيداً توحي به خاتمة الآية حين ربط بين العضل وبين الإيمان: (ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (البقرة: من الآية232).
وهذا كله دون أن ننسى حقوق المطلقة، فقد أكد القرآن الكريم على هذه الحقوق سواء وقع الطلاق قبل الدخول أم بعد الدخول، وأراد أن يكون ذلك بالمعروف، أي بتسامح وإيثار، ونص على أنه حق على المتقين، فقال في محكم كتابه: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ) (البقرة:241).
فإذا وقع الطلاق قبل الدخول فإن للمطلقة نصف المهر الذي اشترطته على نحو ما توضح ذلك الآية الكريم في سورة البقرة: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) (البقرة: من الآية237)، ثم أضافت الآية، في شيء من التكريم للمرأة وحسن معاملتها، هذه الخاتمة الرائعة: (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) (البقرة: من الآية237).
والآية الأخرى من سورة الأحزاب تشير إلى هذا "السراح الجميل" وتنص عليه وتستخدم هذه الصفة "جميل" على قلة ما ترد في القرآن الكريم: فتقول في بيان صريح وفي أسلوب واضح، وفي أمر جازم بالنسبة إلى الرجل، رقيق بالنسبة إلى المرأة:
ويحسن أن نشير بعد إلى أن الإسلام لم يجعل من الطلاق الذي تمليه الظروف القاهرة سبيلاً إلى مأساة تحول بين المطلقين وبين الانطلاق في الحياة، وإنما أشاع في نفس المطلقة والمطلق معاً روحاً من الأمل بعون الله ورعايته وتكفله سبحانه بأن يغني كلاً منهما بغناه، ولذلك كانت هذه الآية الكريم التي يترقرق فيها الأمل بعد قسوة الطلاق: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ) (النساء: من الآية130).