جمع وإعداد عفاف آل حريد
المرأة عليها دور كبير وهام؛ حيث أسند إليها وظيفة من أهم الوظائف، بل هي أهم ما يجب أن تتقنه المرأة.
ومما هو معروف بالبديهة أن الأدوار التربوية المناطة بالمرأة الأم، تتخذ
أهميتها من كونها هي لب العمل الوظيفي الفطري الذي يجب أن تتصدى له
المرأة، وهذا يعني ضرورة أن تسعى الأم إلى ممارسة دورها بشكل يحقق نتائجه
التي يأملها المجتمع، وهذا يعني أيضًا ضرورة إعداد المرأة الأم لأداء ذلك
الدور قبل مطالبتها بنتائج فعالة.
ولهذا فقد حرص علماء التربية الإسلامية على تأكيد ضرورة إعداد المرأة
لممارسة دورها، بل وانتقائها قبل إنجاب الأولاد، مؤكدين على حقيقة أن تربية
النشء تحدث قبل ولادتهم باختيار الأمهات.
يقول أكثم بن صيفي لأولاده: "يا بَنيَّ! لا يحملنكم جمال النساء عن صراحة النسب؛ فإن المناكح الكريمة مَدْرَجةٌ للشرف".
وقال أبو الأسود الدؤلي لبنيه: "لقد أحسنتُ إليكم صغارًا وكبارًا، وقبل
أن تولدوا. قالوا: وكيف أحسنت إلينا قبل أن نولد؟ قال: اخترت لكم من
الأمهات من لا تُسَبُّون بها".
ولهذا فإن من أول حقوق الولد على والده أن يختار له الأم المؤمنة
الكريمة، ذات الهدف من الحياة، التي تحسن تربيته، وتقوم على شؤونه، وتتعاهد
دينه وعقيدته؛ لأن الطفل والطفلة ينتقل إليهما كثير من صفات أمهما النفسية
والخلقية، بل يمتد هذا التأثير مدى الحياة.
والخطوة الأهم في حياة الأم هي تربية الطفل، ولكن ليست أي أم، وإنما
الأم التي تشعر وتلمس أهمية التربية ودورها في صناعة التاريخ، وهنا ترتبط
الأم بولدها بأقوى علاقة ورابطة وهي رابطة التعليم، ومنها تستطيع أن تنجح
في تلقين التراث الثقافي للجيل الجديد وتهيئته للحياة المستقبلية.
ولكي تقوم الأم بهذه المهمة يجب أن تنتبه إلى كل ما تلقنه لطفلها،
وخصوصًا في سنيّ حياته الأولى؛ لذا يجب مراعاة الدقة والتعمق الكافيين في
تربية الطفل.
•التعليم بالعمل والقدوة:
أكثر ما يتعلمه الطفل على مدى سني الطفولة، والتي يقضي معظمها في البيت من
آداب وعادات، بواسطة النظر واللمس، ومسك الأشياء والاستفادة منها، والجلوس
والقيام والمشي والكلام، بمعنى أن الأم لا تعلم الطفل بلسانها فقط، وإنما
يقتبس الطفل تجسم الحياة بما يشاهده من حركاتها وسلوكها.
•الجوانب التي يجب أن يتعلمها الطفل:
يجب أن يتعلم الطفل في البيت أصول الحياة الفردية والاجتماعية، والتي لا
يمكن له بالطبع أن يتعلمها من خارجه: مثل أصول المعاشرة مع الناس، بمعنى
أصول احترام الآخرين وحسن الخلق، أصول التخاطب والكلام وعدم المشاكسة،
والنظافة الشخصية، وآداب النوم، والجلوس مع الناس، والهمة العالية، وعدم
الاتكالية.
كما يجب التدرج في تعليم أصول الحياة للطفل وفقًا لعمره وحاجته إليها،
فليس من المنطقي أن يُحشى عقله بمفاهيم وأصول ليس محتاجًا إليها، ويمكن أن
تؤدي إلى نتائج عكسية.
ولا يمكن أن نلقن الطفل الآداب وأصول الحياة والقواعد بالقوة، ثم نطالبه
أن يطبقها عن طيب خاطر ورغبة، بل عن طريق الحب والحنان يمكن تعليمه أصول
الحياة وإجباره على رعايتها في تصرفاته، بحيث نلقيها في عقله بصورة غير
مباشرة، ثم انتزاعها من فمه، والقيام بشيء يجعل الطفل يصلح نفسه طبقًا
للقواعد والأصول.
كما علينا أن لا نقيس الطفل بأنفسنا؛ لأن التعامل معه كالكبار ومنعه من
حركاته الطفولية، يشكل ضغطًا نفسيًا وروحيًا عليه، فيجب ملاحظة عمره
ومرحلته وظروفه، كما أن ضرب الأمثال وقص القصص المناسبة للطفل يساعد على
تلقيه المعلومات، بشرط أن تكون قابلة للفهم والإدراك.
•دور الأم في تقويم سلوك الطفل:
لا يخفى أن أول مدرسة وقاعدة للتربية هي حضن الأم، حيث يتعلم الطفل من هذه
المدرسة الأخلاق والدين والسلوك، ومن خصوصياتها أن ما يتعلمه الطفل فيها
سيبقى معه إلى الأبد، فالأثر الذي تتركه الأم في طفلها يكون إلى درجة
تجعلنا نقرر بأن الآداب والأخلاق التي ستتحلى بها في المستقبل هي الامتداد
الطبيعي لما تعلمه منها في صغره، فقد يتعلم الطفل أشياء كثيرة أثناء مراحل
رشده عن طريق السمع والبصر، ولكن مشاهداته من الجوانب السلوكية والأخلاقية
تنفذ إليه أسرع وتؤثر فيه أكثر.
ولذلك يمكننا القول أن أفضل وسيلة لتربية الطفل هي تقديم القدوة العملية
له، وتعتبر الأم أهم قدوة متجسدة أمام عينيه، وما تقوم به الأم من
أخلاقيات وسلوك ينطبع فيه، فلا يمكن له عندما يرى أمه تكذب وتقلب الحقائق
لأبيه وتتوسل بالحيلة والمراوغة أن ينشأ على عكس ذلك.
أما إذا رأى أمه صادقة أمينة مخلصة، وذات قلب رحيم، فسينشأ مثلها على الأرجح.
•الطريق إلى معرفة الله:
قال تعالى: ﴿ فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ﴾ [الروم: 30].
السؤال الذي يُطرح: كيف نعرّف الله تعالى للطفل؟
ممكن للأم أن تعرّف الله على أنه منبع الخير، والقوة، والرحمة، والحب
والحنان للطفل، وتهيئ ذهنه لقبول لطفه وكرمه ورحمته، أو تعرّفه بأنه قويٌّ،
وشديد العقاب، ويحرق الكافرين، ويعذبهم بنار جهنم. هنا يجب عدم تخويف
الطفل من الله سبحانه، ويجب الإشارة دائمًا إلى رحمته ورأفته وحبه للناس
ولمخلوقاته، وعطائه وجماله؛ لأن الرب الرحيم الرؤوف أفضل للطفل من رب منتقم
جبّار، فالرب الذي يصوره المربون بجعله للطفل عنوان الخوف والرعب، يبقى
أثره في ذهن الطفل إلى الأبد ربًّا شديدًا منتقمًا جبارًا لا يغفر الذنوب،
وسيعاقب آجلًا أو عاجلًا، هنا سيخاف وينفر ويشمئز الطفل من هذا الإله.
لذا على الأم أن تبذر بذور الرحمة، وتحيي الأمل في قلب طفلها، وتعلمه أن اليأس من رحمة الله وعفوه هو من الكبائر.
إن من نتائج إدراك الأم لأهمية التربية، أن تسعى لزيادة خبرتها التربوية والارتقاء بها، ويمكن أن يتم ذلك من خلال مجالات عدة، منها:
أ- القراءة، فمن الضروري أن تعتني الأم بالقراءة في الكتب التربوية، وتفرغ جزءًا من وقتها لاقتنائها والقراءة فيها.
ب- استثمار اللقاءات العائلية، من خلال النقاش فيها عن أمور التربية، والاستفادة من آراء الأمهات الأخريات وتجاربهن في التربية.
ج- الاستفادة من التجارب: إن من أهم ما يزيد الخبرة التربوية الاستفادة
من التجارب والأخطاء التي تمر بالشخص، فالأخطاء التي وقعتِ فيها مع الطفل
الأول، تتجنبينها مع الطفل الثاني، والأخطاء التي وقعتِ فيها مع الطفل
الثاني تتجنبينها مع الطفل الثالث، وهكذا تشعرين أنك ما دمت تتعاملين مع
الأطفال، فأنت في رقي وتطور.